*بومدين كان يحضّر لاتخاذ قرار هام قبل أن يباغته المرض والموت * الطاهر زبيري اتصل بي قبل ساعة من الانقلاب وأطلعني على الخطة * بن بلة كان متأثرا بجمال عبد الناصر وليس "عميلا" يا سعيد سعدي. * هذا مقصود بيان نوفمبر من بند "إقامة دولة ضمن المبادئ الإسلامية" * لهذا لم نعتمد الديمقراطية في الجزائر بعد الاستقلال
في الحلقة السابعة من شهادته التاريخية عبر برنامج "صنعوا الحدث" الذي يعده ويقدمه الإعلامي أنس جمعة على قناة البلاد، واصل المجاهد والوزير الأسبق صالح ڤوجيل سرد تفاصيل مهمة عن الفترة التي تلت استقلال الجزائر. تطرق صالح ڤوجيل في البداية إلى أسباب اختيار الجزائر الاشتراكية بعد الاستقلال. كما أجاب على سؤال حول سبب عدم تطبيق المادة الواردة في بيان أول نوفمبر التي تشير إلى ضرورة إقامة دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية ضمن المبادئ الإسلامية. وقال ڤوجيل في هذا السياق: "مبدأ بناء دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.. ماذا تعني كلمة "المبادئ الإسلامية".. في تلك الفترة سنة 1954، ديننا لم يكن مسيسا مثلما هو مسيس الآن عندما نفسر هذه الفقرة حسب الوضع السائد آنذاك نفهم أن المقصود من هذه الفقرة هو أنه عند التفاوض مع فرنسا لا يقبلون أن تقول لهم فرنسا أقيموا دولة لائكية.. فالمقصود هو عدم إقامة دولة لائكية باعتبار أن هوية الشعب الجزائري إسلامية.. والإسلام دين الدولة منذ قرون". وأضاف ڤوجيل أنّ المقصود بكلمة "المبادئ الإسلامية" هو مجابهة فرنسا في المفاوضات بالرفض المطلق لأي مقترح من شأنه أن يلزم الجزائر بإقامة دولة لائكية (علمانية)، معتبرا أن القراءات التي يتم الآن تداولها بشأن هذا البند غير صحيحة، ففي تلك السنوات سواء خلال الثورة أو بعد الاستقلال كان الشعب الجزائري كله متمسكا بدينه وملتزما بالإسلام. أما بشأن عدم إتاحة الديمقراطية للجزائريين بعد الاستقلال وإغلاق المجال السياسي والإعلامي بحيث لم يكن بمقدور الجزائريين تأسيس أحزاب سياسية وجرائد وتم اعتماد منطق الحزب الواحد والإعلام الواحد، فقال صالح ڤوجيل إن ذلك كان مطلوبا ولازما من أجل الحفاظ على الاستقلال وتحقيق أهداف الثورة. ففي ذلك الوقت يقول ڤوجيل الذي يستطيع تأسيس أحزاب سياسية أو جرائد، هم فقط أصحاب المال، وأصحاب المال في ذلك الوقت كثير منهم موالون لفرنسا. وتابع ڤوجيل: "السؤال الذي يجب أن يطرح لماذا لم يتم فتح المجال للتعددية بعد 10 أو 15 سنة من الاستقلال.. هنا يكون السؤال مقبولا ويحتاج لأجوبة صريحة.. أما بعد الاستقلال مباشرة فذلك كان قد يؤدي لخطر حقيقي على الجزائر". ولكن صالح ڤوجيل أكد أن عدم فتح المجال أمام التعددية لا يعني أبدا أن يكون هناك رأي واحد، بل يكون هناك برنامج واحد نلتف حوله جميعا ونسعى لتطبيقه خصوصا في الجانب الاجتماعي. صالح ڤوجيل تطرق كذلك إلى فترة حكم أحمد بن بلة للجزائر، مشيرا إلى أنّ بن بلة لم يكن أبدا عميلا لجمال عبد الناصر مثلما يتهمه البعض اليوم، وذلك ردا على سؤال بخصوص الاتهامات التي وجهها له سعيد سعدي. وأضاف ڤوجيل في هذا الخصوص أن أحمد بن بلة كان متأثرا بجمال عبد الناصر فعلا ولكن العلاقة بينهما غير ممكن أن يُحكم عليها بمثل هذه الأحكام والاتهامات الصادرة عن سعيد سعدي. وتطرق صالح ڤوجيل إلى انقلاب 19 جوان 1965 أو كما يسميه هو "التصحيح الثوري"، مؤكدا أنه لا يعتبره انقلابا بل تصحيحا وتعديلا لمسار الجزائر بعد الاستقلال. ويجزم صالح ڤوجيل بأن السبب الرئيسي الذي جعل بومدين يزيح بن بلة عن الحكم لأن هذا الأخير أراد أن يصبح "زعيما أوحد" للجزائر، ونتيجة لسياسات بدأت تظهر في طريقة عمل بن بلة التي تركزت أساسا على "الإقصاء والاستحواذ على الحكم". كما أشار ڤوجيل الذي كان آنذاك في مهمة عمل بولاية الأغواط بتكليف مباشر من أحمد بن بلة، إلى أنّ الطاهر زبيري اتصل به قبيل ساعة من وقوع الانقلاب وأطلعه على التطورات: "اتصل بي الطاهر زبيري قبيل ساعة من وقوع الانقلاب فقال لي: "اطمئن بشأن ما ستسمعه بعد قليل في الإذاعة.. نحن من أقدمنا على الخطوة". وكشف صالح ڤوجيل أن قيادة حزب جبهة التحرير الوطني في سنة 1978 وقبل اكتشاف مرض الرئيس الراحل هواري بومدين، استدعاهم بومدين لاجتماع في رئاسة الجمهورية بشأن التحضير لمؤتمر الحزب. قال ڤوجيل إن اللقاء دام أكثر من 6 ساعات "ناقشنا فيه مختلف القضايا المطرحة، وقال لنا بومدين في اللقاء أمرا هاما.. لقد قال لنا: "اليوم الذي يُعقد فيه هذا المؤتمر لن أقوم برئاسة هذا المؤتمر وسأشارك كمناضل عادي في القاعة مثل جميع مناضلي الأفلان.. ولدي الكثير لأقوله في ذلك اليوم". وتابع صالح ڤوجيل قائلا: "لكن المرض باغته والموت باغته كذلك.. ولا نعرف ماذا كان ينوي بالضبط فعله خلال انعقاد هذا المؤتمر.. هل كان ينوي إطلاق التعددية السياسية والإعلامية خلال هذا المؤتمر؟.. لا نعرف بالضبط.. ولكن كل شيء كان ممكنا في ذلك الوقت". .... يُتبع