لا يمكن لاثنين أن يختلفا في كون الوساطة التي توّلت الجزائر قيادتها لتسوية الأزمة في الجارة الجنوبية مالي قبل نحو سنتين كانت ناجحة، وأثمرت اتفاقا وقّعه جميع الفرقاء هناك بعد أن قرّروا الجنوح إلى السلام والانخراط في عملية سياسية تنهي الخلافات وتحفظ الوحدة الوطنية وتعيد الأمن المفقود. المرافقة الجزائريةللماليين مكّنتهم من تجاوز الأزمة، وها هم اليوم يدا واحدة يعيدون ترتيب البيت الداخلي وينجحون في إعادة بناء مؤسسات الدولة التي عصف بها انقلاب 2012، ليعكفوا على محاربة التنظيمات الدموية، وبرغم الصعوبات والتحديات التي تعترض عملية البناء، فتطبيقات اتفاق السلام تسير في الطريق الصحيح وعين الوسيط الجزائري تتابعها لمواجهة أي خلل. ومثلما حرّكت آلتها الدبلوماسية لتطويق الأزمة في مالي، ها هي الجزائر ومند مدّة ليست بالقليلة منعكفة على مساعدة الأشقاء في ليبيا للخروج من حالة الانسداد السياسي والفوضى الأمنية التي يعيشونها مند ستة أعوام، خاصة وأن جميع المبادرات التي رعتها الأممالمتحدة أو جهات أخرى فشلت حتى الآن في اخراج ليبيا إلى برّ الأمان، وآخرها الاتفاق الموقع في ديسمبر 2015، والذي أثمر حكومة وفاق وطني لم تحصل للأسف الشديد على اجماع ما جعل الأزمة تراوح مكانها في انتظار مبادرة أنجح ووسيط أقدر على إنهاء المأساة الليبية. لاشك أن الوساطة الجزائرية في ليبيا تمتلك كل مؤهلات النجاح، أوّلا لأن ليبيا تمثل عمقا استراتيجيا للجزائر و أمنها يشكّل حجر الزاوية في أمننا القومي، ثم بالنظر إلى نجاحها في دولة مالي وخبرتها في حلّ الأزمات الإقليمية ومحاربة الإرهاب، وأيضا لأن الجزائر محايدة وتقف على مسافة واحدة من كل الأطراف الليبية، وترفض أن تقدم لهم مقاربة جاهزة لاقتناعها بضرورة الاستماع لكل الفرقاء هناك دون اقصاء أحد وجعلهم ينخرطون طواعية في حوار يفضي إلى اتفاق يلقى الاجماع، وهو ما يترجم الزيارات التي قامت بها الشخصيات الليبية الفاعلة إلى أرض الجزائر في المدة الأخيرة. مقومات نجاح الوساطة الجزائرية في ليبيا كبيرة لأنها أيضا تلقى الدعم والتشجيع من المجتمع الدولي الذي يثق في نزاهة الجزائر من جهة ويخشى تفجّر الوضع في المنطقة وانزلاقه إلى احتراب داخلي قد تستغله التنظيمات الإرهابية لتمديد مواقعها وتوسيع إجرامها من جهة ثانية. وساطة الجزائر لحلّ الأزمة الليبية يبعث فعلا على التفاؤل يبقى فقط ضرورة التشديد على صدّ أي جهة تريد الدخول على خطّ هذه الوساطة قصد اجهاضها كما تمّ اجهاض مبادرات الحل السابقة وجرّ الشقيقة ليبيا إلى مالا يحمد عقباه ومن خلالها الزج بالمنطقة في أتون توتر قد لا تكون له نهاية. كما يجب حصر الوساطة في دولة واحدة فقط فكلما كثر المتدخلون تعمّقت الأزمة وتشابكت خيوطها، خاصة وأن من بين المتدخلين من يساندون طرفا على حساب آخر أي أنهم لا يتّسمون بالنزاهة والحياد، ثم منهم من كان من أول المروجين لعسكرة الأزمة الليبية في بدايتها وشجع الناتو على التدخل الذي كان كارثيا بكل المقاييس.