حاولت، الباحثة الأمريكية د. هارولد، خلال استضافتها بمركز »الشعب« للدراسات الإستراتيجية، أن تحلل واقع وآفاق الإقتصاد الموازي في الجزائر على ضوء محطات الإصلاحات الجدرية التي عرفتها منذ عشريات متتالية. وفي هذا الشأن، اعتبرت أن الجزائر سعت لبناء اقتصاد نموذجي وهذا من خلال اختيار أحسن الخبراء لتسيير كل هذا الجهاز المعقد، ويندرج هذا المسعى من أجل إيجاد تصور إقتصادي واضح كان خلال السبعينات يضرب به المثل في الجدوى والتسيير، وكذلك الفاعلية، وعليه فإنه، من المستحسن تحديد مراحل هذا الإقتصاد، ليس بتلك القراءة الإيديولوجية، ولكن بالنظرة الواقعية التي تراعي المسعى الشامل لبعث الإستثمار وخلق الثورة والقيمة المضافة، وتوفير مناصب الشغل أي كل ما يصدر عن مثل هذه الخيارات. ❊ مرحلة البسعينات، شهدت ما يعرف بالإقتصاد المخطط (أو الموجه) الذي تكون للدولة فيه كل مبادرات التسيير والإشراف على المشاريع والبرامج، مما ولد لدى البعض من المحللين الإنطباع القائم على البعد الإحتكاري، وتدخل الإدارة في تحديد الأسعار على أكثر من صعيد. وفي هذا الصدد، ومع مرور الوقت، تراكم كل شيء في إطار ضيق، ولم تعد الإدارة قادرة على تسيير الإقتصاد بالرغم من أن الفكر الإقتصادي الذي كان منتشرا آنذاك، اعتبر نفسه أنه امتداد طبيعي لتلك القناعات الثورية التي تراعي مبادىء أساسية منها العدالة الإجتماعية، إلا أن الأمور لم تسر بالشكل المأمول في مراحل معينة من عمر هذه الخيارات، خاصة في المجال التجاري وما يعرف بالصناعات المصنعة أو »المفتاح في اليد«، وكان لا بد أن تراجع هذه السياسة من خلال إعادة تقييم أساليب التسيير في تلك المرحلة الحساسة من تاريخ الجزائر. ❊ مرحلة الثمانينات، وهي الفترة التي قررت فيها السلطات العمومية التخلي عن الإقتصاد الموجه والذهاب إلى اقتصاد السوق، وهذا إنطلاقا من قاعدة الإصلاحات الجذرية المتبناة في الخطاب السياسي عقب احداث أكتوبر .1988 ومن هنا، كانت الإنطلاقة بالسعي لفتح كل المجالات الإقتصادية في الجزائر وهذا باللجوء إلى صيغ تسيير مخالفة لما كانت عليه، وهي رفع الدعم المالي عن المؤسسات الوطنية، ودفعها للبحث عن مصادر دخل جديدة غير التي كانت تعمل بها في السابق، هذا ما سبب لها مشاكل جمة ووصفت آنذاك، بوصف ما زال أثره حتى الآن وهو »أن رأس المؤسسة الجزائرية أكبر من جسدها« بالاضافة إلى القول الذي كان سائدا »أنه لا يمكن مواصلة ضخ السيروم في جثة ميتة أو هي في طريق الاحتضار«، هذا كله مهد لبوادر التخلي عن المؤسسة الجزائرية والشروع في فتح رأسمالها أو ما يعرف بالشراكة. ❊ وفي هذا الإطار، علينا إدراج هذا التوجه إلى غاية التسعينات. ❊ مرحلة 1999 ,.2009 هنا شهدت الجزائر تطورا نوعيا في مفهوم التسيير الإقتصادي باعتماد مبدأ الحكم الراشد، وإعادة الإعتبار لما يعرف بسلطة الضبط، وتفعيل العدالة، وهذا يعني عودة الدولة في جانبها التنظيمي للإقتصاد، ووفق حالة تدهوره خلال مرحلتي ال 80 وال .90 وإلى يومنا هذا، فإن الإقتصاد الجزائري يسير بوتيرة التأني الذي يراعي الإستقرار بالدرجة الأولى، واتخاذ الخطوات القوية من أجل عدم الوقوع في مطبات الإنهيار كما حدث للعديد من البلدان خلال الأزمة المالية العالمية، وتأمين الإقتصاد الجزائري هو نتيجة رؤية طابعها الحذر من كل تسرع وهذا ما يفسر عدم تبذير احتياط الصرف المقدر بأكثر من 140 مليار دولار، وكذلك، تزويد البنوك بكل ما يستلزم من آليات الحصانة، حتى لا تقع تحت طائلة الإفلاس بسبب عدم وجود مقابل من العملة الصعبة المخزنة، هذا هو التوجه الراهن وهو مبني على فكر اقتصادي خال من كل طرح أيديولوجي لا يخدم الإقتصاد.