قالت الباحثة الأمريكية هارولد إن الاقتصاد الموازي في الجزائر ليس بالسيئ وليس بالجيد، في الوقت نفسه، على التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الجزائر.وأوضحت الباحثة في محاضرة ضمن الندوات الفكرية التي ينظمها مركز "الشعب للدراسات الاستراتيجية، بعنوان "تحديات الاقتصاد الموازي" أن هذه الظاهرة الاقتصادية عالمية، وليست نتاج نمط اقتصادي أو نظام اقتصادي بعينه. فالاقتصاد الموازي تقول الباحثة موجود في المجتمعات الرأسمالية وأنظمتها اللبيرالية، مثلما هو موجود في الأنظمة الاشتراكية والمجتمعات التي عرفت التخطيط المركزي ورأسمالية الدولة لكن الاختلاف يكمن في أسبابه الأولى ومراحل تطوره ومنه أدوات محاربته. الباحثة التي أعدت أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه عن الاقتصاد السياسي للجزائر خلال مرحلة التحول سنة 1999، بعد أن اشتغلت بالسفارة الأمريكيةبالجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي، استعرضت في محاضرتها، إرهاصات الاقتصاد الموازي في الجزائر وانطلقت في ذلك من الثقافة الاقتصادية السائدة لدى الجزائريين حتى خلال الثورة التحريرية حيث أشارت في هذا المجال، إلى مشروع قسنطينة 1958 الذي نفذه الاستعمار الفرنسي في عهد رئاسة ديغول على أساس أنه أداة لإدماج الجزائريين في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية بفرنسا، من خلال ما حاول تقديمه من خدمات تتعلق بتحسين مستوى معيشة بعض الفئات الاجتماعية وظروفها الإجتماعية (السكن، العمل) حسب قولها. أما بعد الاستقلال، فقد حاولت الجزائر، في نظر الباحثة الأمريكية أن تجد لها نموذجا اقتصاديا، لا سيما في السبعينات من خلال فكرة "الصناعات المصنعة" لكن سيادة رأسمالية الدولة وفشل هذا النموذج أدى الى هيمنة الدولة الريعية التي اعتمدت اعتمادا شبه كلي على مداخيل المحروقات من دون أن تستطيع بناء نموذج إقتصادي مندمج، مما أدى إلى تسرب هذا الريع أفقيا وعموديا بين الدولة والمجتمع وضمن منافذ واتجاهات متعددة، وأدى في نهاية المطاف إلى الإقرار بالاقتصاد الموازي وانتشاره في أعقاب إعلان مرحلة التحول نحو اقتصاد السوق وتحرير التجارة الخارجية. وبالاستشهاد بآراء خبراء اقتصاديين واجتماعيين جزائريين وأجانب، إضافة الى الإشارة الى نتائج دراستها حول الاقتصاد السياسي للجزائر، أبرزت المحاضرة، أن صعوبات التحول نحو اقتصاد السوق ومشاريع إعادة الهيكلة في أواسط التسعينات، علاوة على الظروف الاجتماعية والأمنية التي ميزت هذه الحقبة. عرفت سلوكات الاقتصاد الموازي انتشارا كبيرا، في أجواء ميزها التهرب الضريبي والجبائي وانسحاب الدولة من ممارسة بعض النشاطات التي كانت تندرج ضمن إدارتها المركزية للإقتصاد. وأشارت الباحثة الأمريكية التي كانت تتكلم الفرنسية بلكنة أمريكية، ان انتشارالاقتصاد الموازي في الجزائر، قد أدى الى تحسين مستوى المعيشة للفئات الاجتماعية، مما خلق بينها وبين أفراد وجماعات غنية، اتصالات وروابط، عززت مع مرور الوقت التهافت وراء مايقدمه هذا النوع من الاقتصاد من خدمات هي ليست بالضرورة في صالح الاقتصاد الوطني، ولكنها أيضا ليست بالضرورة كلها ضد ما تطلبه او ترجوه فئات اجتماعية، لاسيما عندما يتعلق الأمر ببعض الممارسات البيروقراطية من قبل الادارة والنظام البنكي التي قالت بشأنه المحاضرة، انه من المفارقات العجيبة أن يؤمن الاقتصاد »الموازي«. مشيرة الى أن عمليات تحويل العملة تتم في الشارع أمام بنوك الدولة والبنك المركزي، من دون أن يتعرض الناشطون في هذا المجال لأي سوء أو مضايقة من طرف الدولة أو المجتمع. وعن التعاطي مع هذه الظاهرة الاقتصادية (الاقتصاد الموازي) أشارت المحاضرة الى محاولة حكومة بلعيد عبد السلام سنة 1993 تطبيق اقتصاد الحرب واسترجاع الدولة لزمام الأمور في كل شيء اقتصادي، غير أنها فشلت في ذلك بسبب مجموعة من الأسباب أهمها صعوبة العودة الى الوراء مرة واحدة. وبخصوص تقديراتها للكتلة النقدية التي تتوفر عليها السوق الموازية في الجزائر، ذكرت المحاضرة أنها تقدر بالنصف (50 بالمائة) أو أقل قليل من السيولة المالية الاجمالية، موضحة أنها لا تملك رقما محددا في هذا الشأن. وعن طرق معالجة هذه الظاهرة، أوضحت المحاضرة انها تتلخص في إرساء قواعد اقتصاد مندمج، مشيرة الى أن الدولة الريعية في الجزائر كانت وراء تفشي هذه الظاهرة، وهو التحليل الذي خالفها فيه الوزير الأسبق والقيادي في الأفلان السيد عبد الرحمن بلعياط عندما أثار اهتمام المحاضرة الى أن اعتماد الجزائر على المحروقات بنسبة كبيرة في مسيرتها الاقتصادية والتنموية، لا يعني بتاتا أنها دولة ريعية بالمفهوم الشائع عن هذه الدولة، وقال أن هذه المداخيل مكنت الجزائر من تطوير صناعة المحروقات وبعض القطاعات الاقتصادية، طالبا من الباحثة الأمريكية اطلاع الجزائريين المهتمين بهذا الموضوع عن واقع الاقتصاد الموازي في أمريكا وطرق وأساليب معالجته واستخلاص العبر من ذلك بما يمكن أن يكون مقاربة تشخيصية وعلاجية للظاهرة في الجزائر.