الخلود..من أكذب الكلمات التي طالما تداولناها فيما بيننا، حيث يفكر أغلبنا أن هنالك أشياء خالدة كسبيل قولنا «ذكرى خالدة» وغيرها من الأشياء التي تدور في دواليب فكرية مستنبطة من وحي الخلود، وقد نتسرع في الحكم بقولنا ليس هنالك شي خالد، ونجزم أن كل شيء فانِِ..لكن لا يجوز إنكار أنَ معظم الأشياء التي ترسخ في الذهن والقلب أو حتى المخيلة، فلها صلة بالصواب حتما، لكن دواخل أكارنا التي مزجتها برازخ الريبة والظن تحتم علينا البحث في دواليب وأرصفة أفكارنا عن تفاصيل أدق وأبلغ لحقيقة وماهية - الخلود - بصفتي كاتبة تهوى الكتابة قد أهمش كلمة الخلود مؤمنة بمدى كل شي يفنى وينقضي مع مرور الزمن لكن يستدعيني ويستوجبني الذكر أنَ الفكر ذو نواة دقيقة..والمميز في غالب أمر هاته النواة أن حيثيات النواميس المتتالية والمقصود بها تتابع الاشياء لبعضها بالتضاد كالموت والحياة، السعادة والحزن، النجاح والفشل، هي العلة أو السبب الرئيسي الذي يستدعينا للتساؤل والبحث بعمق..هنا نقف عند الخلود - الاختفاء والنسيان، حيث يعتبر النسيان بذرة زادت من مخاوف العديد منَا، فتعترينا المخاوف أن نصبح في طي النسيان، منسيات أو بمعنى أصح الانقراض النسبي للأشياء، قد يحدث خلط للمفاهيم وقد تدخلك هاته المخاوف إلى متاهات ذات تجارب عقيمة ومخارج فانية لكن أبلغ شيء للخلود هو الكتابة، نعم كل ماهية موضوعي تتمحور حول الكتابة.. فقد جعلت الكتابة هي اللب بحيث اعتبرتها استنباط لفكرة الخلود التي تم تكذيبها في بداية قولنا بأنها من اكذب الكلمات.. الكتابة هي رحلتك نحو رسم ماهيتك وشخصيتك بعد الفناء..قد يموت البشر وتمضي الشهور والسنون على ذكرى فراقهم فيكون نصيبهم النسيان، لكن بالكتابة سيقرأ لك العديد ليقول كان وكان فلان، لا ننكر أهمية التذكر والتفكر لكن يأتي ذلك اليوم الذي تُمحى فيه الذكرى مهما كانت ومهما بلغ مدى قربها للفكر، ومهما بلغ مدى عمقها في ذاكرة الفاقد للمفقود!! هنا على سلف ذكرنا للكتابة التي تعتبر جسرا متينا يصلك بالواقع الذي تركته بعد الفقدان، فهي تسرد وقائعك وجل أفكارك ودواخلك التي سكبتها في قوالب نصوص نثرية أو بحور شعرية أو حتى لخواطر منسية جعلتها حروفك تنساق بانسياب إلى قلوب قرائك ومتتبعيك..هنيئا لك بالخلود بعد الفناء بعد الموت..بعد الرحيل. لك أنت يا كاتب الحروف، يا سفير الذكريات وصفتك بالخلود الذي لم ولن يفنى أبدا.