أخذت طرق مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة أشكالا عدة اقتضاها تطور الآفة والتجربة التي اكتسبتها مختلف الأجهزة الأمنية الوطنية وقوات الجيش الوطني الشعبي، فمن المواجهة المسلحة الى حرب الاختراق والمعلومات لجأت الجماعات الدموية بعد الضربات القاسية التي تلقتها في مختلف هذه المجالات الى الحرب الإعلامية التي يظهر أنها أخطر من كل الأصناف التقليدية لظاهرة الإرهاب بالنظر لتأثيرها الكبير واجتيازها الحدود العالمية في أجزاء من المئة وتحدث ردود أفعال قد يكون لها صدى مدمرا، لذا سعت مختلف الدول الى وضع آليات دقيقة للتعامل مع العمليات الإرهابية في المجال الإعلامي ولقيت دعوة مختلف الدول صدى ايجابيا في وسائل إعلامها، ليس تضييقا على حرية التعبير وحرمان المواطن من المعلومة وإنما للحفاظ على المصالح العليا ودرئ الجماعات الدموية التي تبحث عن شرعية جرائمها بكل الطرق. لعبت الصحافة الوطنية بمختلف أنواعها دورا كبيرا في مكافحة الإرهاب وبالرغم من تزامن ميلادها مع اندلاع الأزمة الأمنية وبروز الظاهرة الإرهابية بقوة في بداية التسعينيات، إلا أنها عبرت عن موقفها تجاه المذابح والمجازر التي ارتكبها الإرهاب ورفضت جميع مساومات الجماعات المسلحة ما جعلها تدفع ثمنا غاليا، حيث فقدت أسرة الإعلام أكثر من 100 ضحية بين 1991 و 1998 وهي حصيلة ثقيلة جدا يجب عدم نسيانها ونسيان من تسبب فيها. وبالرغم من أن موقف الصحافة الوطنية كان واضحا للعالم من الهمجية، إلا أن ذلك لم يمنع من بروز بعض التجاوزات من بعض الصحف والإعلاميين في عز سنوات الأزمة، حيث أدى نقص الاحترافية الإعلامية الى تناول المعلومة الأمنية بشكل مندفع للغاية ما جعل بعض وسائل الإعلام تتحول الى منابر للدعاية للجماعات الدموية دون أن تشعر وهو ما جعل شوكة الإرهاب تتقوى أكثر فأكثر وفي ظل تدهور الأوضاع كان على الدولة أن تتدخل لتصحيح الاختلالات فأصدرت أمرية عن طريق وزارة الداخلية في 7 جوان 1994 التي تفرض مراقبة المعلومات الأمنية في المطابع وحذف تلك الأخبار التي تزعزع النظام العام وتروج للمجازر الدموية والمذابح وأتت تلك الإجراءات أكلها بالرغم من إصرار بعض الأقلام على مواصلة التعامل مع الأخبار الأمنية بكل اندفاع. وبمرور السنوات وتراجع المد الإرهابي في الجزائر أيقنت الصحافة الوطنية أهمية الحذر في التعامل مع المعلومة الأمنية وأصبحت وسائل الإعلام الوطنية تملك التجربة الكافية في انتقاء الأخبار لضمان حق المواطن في الإعلام دون الوقوع في فخ الترويج والتشهير للتفجيرات الانتحارية التي تقتل الأبرياء ومصالح الأمن المشتركة وأفراد الجيش الوطني الشعبي ولكن في الأشهر القليلة الماضية ظهر نوع من اللامبالاة من بعض الصحف في التعامل مع المعلومة الأمنية دون مراعاة لتأثير وعواقب منشوراتها على المصلحة العامة والمصلحة العليا للوطن. حيث أظهرت بعض العناوين الإعلامية من الصحافة المكتوبة الخاصة نية تجارية أكثر منها إعلامية في التعامل مع المعلومة الأمنية، ففي فصل الصيف الماضي مثلا لاحظنا كيف أن بعض العناوين الإعلامية تسحب 24 صفحة ومع وقوع أي عملية إرهابية يرتفع السحب مباشرة الى 32 صفحة مع تركيز كبير على الجماعات الدموية ونشر أدق التفاصيل لهذه الجماعات التي وجدت في بعض وسائل الإعلام المنبر اللازم لإظهار أعمالها ومشاريعها المدمرة وهو ما لا يخدم الصالح العام والمصلحة العليا للوطن. وترفض بعض وسائل الإعلام بعض الإجراءات التحفظية التي يقتضيها القانون، فاستدعاء مراسل صحفي للتحقيق معه في نشر خبر أمني يعتبر أمرا عاديا ومعمول به في أكثر الدول ديمقراطية وعلى وسائل الإعلام أن تفكر بأن نشر الخبر الأمني دون مقاييس إعلامية أو مصدر واضح هو الأمر الذي يجب التنديد به في حين استدعاء المراسل أو الصحفي لتقصي الحقائق أمر عادي طالما أن ظاهرة الإرهاب تقتضي تكامل الجهود وتظافرها، ومكافحة الإرهاب لا تقتصر على رجال الأمن فقط وقوات الجيش الوطني الشعبي، فالصحافة الوطنية لا يجب أن تتحجج بحرية التعبير للتهجم على السلطة، فالحرية لا تمنع مسؤولية وسائل الإعلام في حفظ النظام العام ومكافحة ما يدمر المجتمع والدولة وهذا الموقف ليس معناه الولاء لأية جهة ولا يجب الخجل منه لأن الوقوف مع البلاد في مثل هذه الظروف أمر واجب ولا يجب مناقشته والذي لا يفعل على الأقل مطالب بحفظ لسانه، لأن الشكوى لمختلف الهيئات العالمية للصحافة للتنديد باستدعاء مراسل صحفي أمر يندى له الجبين، فالتحولات العالمية تفرض الحذر في التعامل مع المنظمات غير الحكومية التي تمولها الدول الأمبريالية التي تستغل حرية التعبير والصحافة وحرية المرأة وانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وليس الدفاع عن الحريات وهو ما لم تتفطن له بعض الأقلام التي لم تأخذ العبرة مما يحدث في العراق وفلسطين والسودان وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية التي تدفع ثمن استنجادها بالغرب. وعليه فحرية التعبير والصحافة في الجزائر تسير نحو الطريق الصحيح ولو بخطى بطيئة بالنظر لحساسية المرحلة غير أنه لا معنى لهذه الحرية إذا فقدنا السيادة وجعلنا أقلامنا في خدمة الإرهابيين بالمجان. ------------------------------------------------------------------------