وصف العديد من المحللين والخبراء الوطنيين والأجانب سنة 2009 بالسنة الأكثر أمنا في الجزائر منذ بداية مسلسل الإرهاب الأعمى مطلع التسعينيات، وذلك بالنظر للتراجع الكبير في الاعتداءات الإرهابية، بفضل تشبث السلطات العليا في البلاد والشعب الجزائري برمته بسياسة المصالحة الوطنية التي يسعى الرئيس بوتفليقة إلى تعزيزها من جهة وكذا استمرار عمليات تشديد الطوق الأمني على بقايا الجماعات الإرهابية الرافضة للتوبة ولسماحة المجتمع وكرم المصالحة من جهة ثانية، مما أسفر عن القضاء على المئات منهم، واضطرار التنظيم إلى تغيير حقل نشاطه من الجزائر إلى مناطق الساحل الإفريقي. ففي هذا الإطار اعتبرت مجلة "اكسبريس" الفرنسية، في مقال نشرته أمس الهدوء الذي لم يسبق له مثيل لأعمال العنف في الجزائر، يوحي بأن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي ينقل نشاطه الذي يضم الكمائن والتفجيرات وعمليات الخطف إلى مناطق الساحل بالجنوب والصحراء الكبرى الشاسعة، مستشهدة بالتراجع الكبير للعمليات الإرهابية، وخاصة خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من السنة الفارطة التي لم تسجل فيها سوى اشتباك واحد بين قوات الأمن والمجموعات الإرهابية. كما اعتمد المقال في طرحه على تصريحات السيد ريتشارد باريت منسق فريق مراقبة القاعدة وطالبان في الأممالمتحدة، الذي أشار في ندوة حول الموضوع إلى تراجع أعمال العنف بالجزائر، مؤكدا بأن شهر رمضان الماضي في الجزائر كان أهدأ رمضان في البلاد منذ 15 عاما. ويشهد مختلف الخبراء الدوليين في مجال مكافحة الإرهاب أن الاستقرار الأمني في الجزائر لم يتجسد فقط بفضل القضاء على عدد من الإرهابيين واسترجاع كميات هامة من الأسلحة وإحباط العمليات الانتحارية والتفجيرات، وإنما أيضا بفضل السياسات المنتهجة في أعلى قمة هرم السلطة، وأبرزها سياسة المصالحة الوطنية ومواصلة الحرب على الإرهاب، وهي السياسة التي أكد بشأنها الرئيس بوتفليقة مرارا على أنها خيارا لا رجعة فيه، فيما كشف وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد نور الدين يزيد زرهوني، بأن تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية شكل عنصرا هاما في تطور الوضع الأمني، وسمح منذ ثلاث سنوات بإقناع 600 مسلح على وضع السلاح. وأهم من ذلك يتوقع العديد من المحللين استمرار منحى تراجع العمليات الإرهابية بالجزائر خلال السنوات القادمة، خصوصا وأن أعداد الإرهابيين في تناقص مستمر، في ظل تنامي التعاون الإيجابي للمواطنين ولمختلف فئات الشعب ومشاركتها قوات الأمن المشتركة في القضاء على هذه الآفة الخطيرة واستئصالها. وفي سياق متصل ذكرت مجلة "إكسبريس" بأن المحللين والاختصاصيين في الشؤون الأمنية، يعتبرون بأن عناصر تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا نزحوا إلى منطقة صحراء الساحل التي تضم بالإضافة إلى الجزائر مالي وموريتانيا والنيجر، إلى درجة أن نائب رئيس المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب، الذي يعد مؤسسة بحثية يمولها الاتحاد الإفريقي، يؤكد في طرحه بأنه لم يعد يوجد ما يسمى بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي، وإنما أصبح هناك "تنظيم القاعدة ببلاد الساحل الاسلامي". وتطرق المقال من جانب آخر إلى تزايد حدة القلق الذي يثيره الوجود المتنامي للقاعدة في منطقة الساحل بالنسبة للحكومات الغربية التي تخشى أن يكون التنظيم قد وجد ملاذا آمنا له في الصومال واليمن، لا سيما في ظل سهولة اختراق الحدود والذي يمنع حكومات منطقة الساحل في التصدي للأمر، ناهيك عن نقص القوات والمعدات لمراقبة منطقة شاسعة تعيش فيها قلة من الناس لكن تضم مخزونات كبيرة من النفط والغاز واليورانيوم وغيرها من المعادن التي يطمع فيها العالم الصناعي. وبرأي صاحب المقال فإن العدد المتزايد لعمليات خطف السواح الأجانب والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية والدبلوماسيين في عام 2009، يرفع من حدة الضغط على حكومات المنطقة حتى تحرز تقدما في الوفاء بوعودها وتعزيز تعاونها البيني لمكافحة الإرهاب والتصدي بصرامة لأفراد التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى. وبالنظر لما اكتسبته الجزائر من خبرة وتجربة معترف بها في هذا المجال فقد نقلت المجلة عن إحدى الخبيرات في شؤون أمن المغرب العربي بمؤسسة "تيروريسك" الاستشارية في باريس، قولها بأن عام 2010 سيكون اختبارا مهما لما يمكن أن تقوم به الجزائر مع شركائها الجنوبيين لمواجهة توسع هذه الجماعات المختلفة في مناطق الحدود، غير مستبعدة أن "يبدأ الأمريكيون في دس أنوفهم ويتدخل الأوروبيون أكثر..".. من جهتها تطرقت النشرية الإلكترونية الفرنسية "ألزاس" في مقال لها أمس إلى تحول أبرز نشاطات عناصر التنظيم الإرهابي "القاعدة" إلى عدة دول إفريقية هروبا من الطوق الأمني المشدد عليها في مواطنها المألوفة، مشيرة في هذا الصدد إلى اختيار عناصر هذا التنظيم الخطير دول الساحل كموريتانيا، مالي، النيجر وكذا الصومال كقاعدة خلفية مستغلة حالة الحرب الأهلية.