يحتفل بعد غد الشعب الجزائري بالذكرى ال 54 لاندلاع الحرب التحريرية الكبرى المظفرة، وتعتبر ذكرى الفاتح نوفمبر محطة تاريخية بارزة لا يمكن تجاوزها دون الوقوف عندها بتمعن وتمحص، بالنظر لكونها تتويج لمرحلة نضال عسيرة في تاريخ الحركة الوطنية، حيث كان اختلاف التيارات السياسية الإيديولوجي دافعا قويا لإنتاج نخبة وطنية كان لها شرف تفجير الثورة التي لقن من خلالها الجزائريينفرنسا الاستعمارية درسا في الوطنية من خلال قوافل الشهداء التي فاقت المليون ونصف المليون من الشهداء. شهدت الحركة الوطنية بعد مرسوم العفو الذي أصدرته فرنسا في مارس 1946 نضجا كبيرا في النضال من أجل القضية الوطنية والاستقلال، حيث كانت أحداث 8 ماي 1945 منعرجا حاسما في الكفاح ضد فرنسا من خلال تيقن الشعب الجزائري بأن فرنسا الاستعمارية لا تفهم إلا لغة السلاح وما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة. وبعد خروج قادة الأحزاب من السجون الفرنسية تشكلت أحزاب جديدة على غرار حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي ترأسها أب الحركة الوطنية السيد مصالي الحاج، وكذا الاتحاد الوطني للبيان الجزائري بقيادة فرحات عباس والحزب الشيوعي الجزائري بزعامة الأمين دباغين، بالإضافة إلى مواصلة جمعية العلماء المسلمين لنشاطها الإصلاحي والمحارب لجميع أنواع الطرقية التي كادت تعصف بالشعب الجزائري، وحاولت الحركة الوطنية استمالة فرنسا لتغليطها من خلال قبول الجزائريين المشاركة في انتخابات المجلس المحلية الفرنسية وفازت بنسب كبيرة لكن فرنسا لم تعترف بتلك النتائج في نهاية الأربعينيات بسبب تعنتها وتخوفها من تجذر الحركة الوطنية وزحفها للمطالبة بالمزيد من الصلاحيات والإصلاحات. ولم تكتف الحركة الوطنية بالنضال السياسي، وبدأت تفكر في الكفاح المسلح، خاصة بعد أن لاحظ الجزائريون انهيار فرنسا في حرب الفيتنام وشكلت حركة انتصار الحريات الديمقراطية جناحها المسلح المسمى بالحركة الخاصة في,1947 والذي عين على رأسه الشهيد محمد بلوزداد وكونت هذه الحركة خيرة قيادات الثورة، فيما بعد يتقدمهم الشهيد ديدوش مراد وآخرين هم من كتب لهم تفجير الثورة التحريرية، فيما بعد. ولكن أمر الجناح المسلح لم يدم طويلا واكتشفته السلطات الاستعمارية وقامت بتفكيكه واعتقلت العديد منهم ولم يتمكن إلا القلة القليلة من الهرب، وبدأت فرنسا تتأكد من يوم إلى آخر من قرب نهايتها في الجزائر ويذكر السيد محمد حربي أحد المؤرخين المختصين في الكتابة عن الثورة والتي عايش معظم مراحلها، أن القوات الاستعمارية قامت بتمشيط جبال الأوراس في ,1952 بحثا عن متمردين وهي المؤشرات التي كانت توحي بأن الكفاح المسلح كان سيندلع في كل لحظة. مجازر الثامن مايو كانت طريق أول نوفمبر واقترن نضال الحركة بعد 1945 بمجازر الثامن مايو التي جعلت السياسيين الجزائريين يحذرون من مغبة الخوض في قضايا تكون عواقبها وخيمة على حياة الجزائريين مثلما حدث في 8 مايو أين أتت فرنسا على 45 ألف جزائري في 3 أيام بعد مطالبتهم بحقهم في الاستقلال بعد مساندتهم لفرنسا ضد الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي بقيت صور المجازر في أذهان الحركة الوطنية التي كانت وراء معارضة البعض للتعجيل في الكفاح المسلح وليست أمور أخرى. وكانت وضعية الحركة الوطنية في بداية الخمسينات صعبة للغاية بسبب الصراع الذي نسب في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، خاصة بعد أن نفي مصالي الحاج إلى فرنسا حيث انقسمت الحركة إلى مركزيين ومصاليين، فالجناح الأول كان مع الكفاح المسلح وضرورة التعجيل به، وأما المصاليين فقد اختاروا مواصلة النضال السياسي للحصول على الاستقلال وتطور الصراع إلى أحداث خطيرة فجرت الحزب وتشكلت اللجنة الثورية للوحدة والعمل في 1954 التي تشكلت منها مجموعة ال 22 التاريخية ثم مجموعة الستة التي قررت تحديد الأول نوفمبر 1954 لإطلاق أول رصاصة تعلن عن بداية الثورة التحريرية. وعليه فالثورة التحريرية الكبرى كانت ثمار نضال جميع التيارات السياسية لأن النقاش والظروف كانت صعبة ومعقدة كثيرا، غير أن بعد النظر والمصلحة العليا للوطن جعل بعض القيادات تختلف لكن سرعان ما انخرط الجميع في الثورة في بداية 1956 بعد تيقنهم من جدية الثورة، وضعف فرنسا الاستعمارية التي أحبطت معركة ديان بيان فو بالفيتنام في مايو 1954 أكذوبة فرنسا لا تغلب والتي كانت حافزا للجزائريين للشروع في معركة الاستقلال . الدعم العربي للثورة الجزائرية لعبت الأمة العربية دورا بارزا في تدعيم القضية الجزائرية من خلال المساندة المادية والمعنوية المتعددة الأوجه، لدرجة أن المواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية، ارتبطت أشد الارتباط بقوة التأييد والمؤازرة من قبل الدول العربية. وهذا ما بينه محمد يزيد في تصريحه عندما قال: ''أن نشاطنا في الوطن العربي لم يكن من أجل كسب التدعيم والمساندة لأن ذلك كان تحصيل حاصل. اتصالاتنا مع الإخوة العرب كانت حول كيفية تنسيق إيصال التدعيم المالي والعسكري إلى الجزائر والعمل دوليا لكسب المساندة المادية والمعنوية للقضية الجزائرية والمتتبع للمواقف العربية من التطورات التي عرفتها الجزائر يجد أن مظاهر الدعم العربي، بين مالي من خلال التبرعات الشعبية والهبات الحكومية لتغطية احتياجات الثورة المختلفة، ودعم عسكري بإرسال الأسلحة والذخيرة، وهناك أيضا الدعم الطبي المتمثل في الأدوية وإسعاف المجاهدين الجزائريين الجرحى في المستشفيات العربية، وفي الأخير هناك المتطوعون العرب الذين شاركوا جيش التحرير في كثير من المعارك العسكرية داخل الأراضي الجزائرية. ومن الأوجه الأخرى للدعم والتضامن العربي لكفاح الشعب الجزائري، ما قدمته الحكومات العربية من تسهيلات للطلبة الجزائريين لمواصلة دراستهم في مدارسها ومعاهدها وجامعاتها، وبالفعل تخرجت دفعات من الطلبة في مختلف التخصصات العلمية كانت رافدا قويا للثورة، من خلال ما قدمه هؤلاء الطلبة من تضحيات في العمل المسلح والتعريف بقضية بلادهم في الخارج. وحتى الاستفادة من خبرتهم في وضع أسس الدولة الجزائرية المستقلة. في سياق الدعم العربي للثورة، تجدر الإشارة إلى دور الشعوب العربية والمنظمات الجماهيرية في دفع الأنظمة السياسية العربية بما فيها تلك التي تدور في فلك دول الغرب ، لاتخاذ مواقف قومية مبدئية من ثورة الشعب الجزائري. زيادة على أن المساندة العربية الجماهيرية كانت دائما موحدة وباستمرار من بداية الثورة التحريرية حتى إفتكاك الجزائر لاستقلالها. وتجاوزت التعبئة الجماهيرية العربية بجانب الثورة الجزائرية حدود البلاد العربية من خلال مطالبة القوى العالمية المناهضة للاستعمار والحركات النقابية العالمية بالتضامن مع الشعب الجزائري والاعتراف بحقه في تقرير مصيره. كان للصحافة ووسائل الإعلام العربية الأخرى دور في تعميق هذا الشعور القومي العربي الجياش تجاه الثورة الجزائرية في الوجدان العربي، ومضاعفة التعبئة الجماهيرية بواسطة حملاتها التشهيرية على مدى خطورة وبشاعة القمع والتدمير الفرنسي المسلط على الشعب الجزائري، داعية في نفس الوقت الشعوب العربية للتعبير عن رفضها واستنكارها بواسطة المظاهرات والمسيرات والتجمعات المنددة بفرنسا وحلفائها. ومن مظاهر الدعم العربي للثورة الجزائرية، والدور السياسي والدبلوماسي الذي لعبته مصر في تدعيم مشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في فعاليات مؤتمر باندونغ عام .1955 وقد مكن الموقف المصري هذا من تحقيق الثورة، لعدة مكاسب يمكن حصرها في تدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية والتزام المؤتمرين بتقديم المساعدة المادية للثورة الجزائرية والتأكيد على شرعية وعدالة المطالب الجزائرية، وقد تعرضت مصر من جراء مواقفها المبدئية المساندة للثورة الجزائرية على كافة المستويات لعدة أخطار من طرف القوى الإمبريالية التي رأت في التعاون والتنسيق المصري الجزائري تهديدا لمصالحها في المنطقة العربية. فراحت تمارس عليها الضغوط والتهديد، وكان العدوان الثلاثي عام 1956 إشارة واضحة من قبل هذه القوى للحكومة المصرية لوضع حد لدعمها لجبهة التحرير الوطني. ولم تكن مصر البلد العربي الوحيد الذي تعرض للتهديدات، فهناك أيضا تونس والمغرب وليبيا فرغم الظروف الحرجة التي كانت عليها هذه الدول فقد سارعت حكوماتها وشعوبها في توفير الرعاية وحفاوة الاستقبال على المستوى الشعبي والرسمي، لكل الجزائريين الذين أقاموا على أراضيها، رغم أن الكثير من البلاد العربية كانت خاضعة للسيطرة الأجنبية. حكيم بوغرارة