لا تخلو الحياة الاجتماعية في التراث العربي من الشخصيات النسائية الظريفة التي وهبها اللّه البديهة والحساسية التي تجعلها تلتقط أحداث الحياة وأحوالها العادية، فتتحول إلى طرائف ومواقف مفعمة بروح النقد الاجتماعي. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن هذه المواقف النسائية بالتفصيل، ولكن نقدم النماذج التالية: 1 وجه عبد الملك بن مروان قائده الحجاج لقتال عبد اللّه الزبير فلما طال الحصار أخذ أنصار ابن الزبير يتخلون عنه ويتسللون إلى الحجاج حتى تفرق عنه جل أصحابه وخذله أقرب الناس إليه، فقصد عبد اللّه أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وقال لها: يا أماه لقد خذلني الناس وقد عرض عليّ خصومي صلحا وأن يعطوني ما أردت من الدنيا فما رأيك؟. قالت أسماء: أنت أعلم بنفسك.. إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك وإن كنت تريد الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك واهلكت من قبل معك وإن ضعفت فهذا ليس من فعل الأحرار ولا أهل الدين القتل أحسن، واللّه لضربة بالسيف في عزّ أحب إلى من ضربة بالسوط في ذلّ، قال عبد اللّه: إني أخاف أن يعبثوا بي قالت اسماء: يا بني إن الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها فدن منها وقبل رأسها. وقال واللّه ما ركنت للدنيا ولا أحببت الحياة فيها ولكن أحببت أن أعرف رأيك فزدني بصيرة مع بصيرتي. 2 جلس المأمون للمظالم تقدمت امرأة وعليها هيئة السفر فوقفت بين يديه وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته فقال يحيى بن أكثم: وعليك السلام يا أمة اللّه تكلمي في حاجتك.. سألها المأمون عن الخصم فقالت: الواقف إلى جانبك يا أمير المؤمنين وأشادت إلى العباس ابنه فقال المأمون: يا يحيى خذ بيده واجلسه مجلس الخصوم وارتفع كلامها على كلام العباس فقال لها يحيى القاضي: يا أمة اللّه إنك بين يدي أمير المؤمنين وانك تكلمين الأمير فاخفضي صوتك فقال المأمون: دعها يا يحيى لأن الحق أنطقها وأخرسه، ثم قضى يرد ضيعتها وحكم على العباس بظلمها. 3 خرج اعرابي يبحث عن إبل حتى أتى بلاد بني يسلم فصادف جارية بارعة الجمال فقالت: ما بغيتك فاني أراك مولها؟ قال: إبل خلت لي فانا في طلبها.. فقالت: أرشدك إلى من هي عنده فاذا أردت الحصول عليها فسأله عن طريق اليقين لا عن طريق الإختيار فقال لها: هل تقبلين زوجا ينالك خيره؟ أطرقت لحظة ثم رفعت رأسها وعيناها بالدموع وقالت: إصرف عتابك وهذا يعني أنها مازالت وفية لزوجها رغم وفاته؟!