إن الترويح عن النفس من أعباء الحياة وهمومها لا يتناقض مع الحرص على المروءة فقد يتعرض للمواقف الطريفة أكثر الناس حيوية ووقارا في المجتمع الإسلامي، وهذه الطرائف فيها الهزل من أجل الهزل وفيها الجد من أجل الجد في أمور الحياة والخصومات والمتاعب التي تصادف الإنسان في مسيرة حياته. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الموضوع بالتفصيل، ولكن من المفيد تقديم النماذج التالية: 1 حضر المأمون جلسة استماع إلى شكاوى الرعية حين تقدمت امرأة يبدو من ملامحها أنها مرهقة من السفر وعليها ثياب رثة وقالت: السلام عليكم يا أمير المؤمنين فقال لها: وعليك السلام.. أين الخصم؟ قالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين وأشارت إلى ابنه العباس، قال المأمون لأحد أعوانه: خذ بيده واجلسه مجلس الخصوم.. عند عرض القضية ارتفع صوت المرأة وهي تعرض شكواها فقال لها القاضي انك بين يدي أمير المؤمنين وأنت تكلمين الأمير فاخفضي صوتك: قال المأمون: دعها لأن الحق أنطقها وأخرسه، ثم قضى لها برد ضيعتها وأوصى عامله برعاية أمورها. 2 اشتهر أحد الموهوبين في حفظ الشعر وانشاده بجماد الراوية: فقال له الوليد بن يزيد: كيف اكتسبت لقب الراوية؟ قال: لا ينشد أحد شعرا إلا ميزت القديم والحديث منه فقال له الوليد: وكم تحفظ من الشعر؟ قال: أنشدك عن كل حرف من حروف المعجم 100 قصيدة وأمره بالانشاد حتى شعر بالتعب فكلف غيره بمواصلة الاستماع فأنشد 2900 قصيدة من الشعر الجاهلي فحصل على جائزة 100 ألف درهم. 3 تأخر أبو دلامة عن حضور مجلس أبي جعفر المنصو،ر فلما حضر بين يديه ألزمه بالبقاء في القصر والصلاة في مسجد القصر أثناء مرور وزير المنصور قدم له شكوى مكتوبة إلى أمير المؤمنين.. عندما استلم أمير المؤمنين الشكوى فتحها فوجد الأبيات التالية: تعلمون أن الخليفة ألزمني بمسجده والقصر مالي والقصر أصلى به الأولى مع العصر دائما فويلي من الأولى وويلي من العصر غضب المنصور غضبا شديدا من ذكره الصلاة والاستخفاف بها، وأمر بإحضاره عندما رأى الغضب في وجهه شعر نجوف شديد على حياته وقال: يا أمير المؤمنين ألا تعلم قوله تعالى: يقولون مالا يفعلون؟!