لعل من اشهى انواع القراءة ما يتناول السيرة الذاتية لأنها لا تشبع الفضول العادي فحسب، بل تعد بكشف الاسرار من اللحظات والمواقف الحرجة، فهي تقع بين التاريخ والفن بين التوثيق واليوم بين خبرة الحياة الشخصية ولذة المعرفة بخباياها الدفينة. لا يسمح هذا الحيز بالحديث عن الموضوع بالتفصيل، ولكن من المفيد تقديم الحقائق التالية: 1) ان ادب السيرة بأنواعه التي تتمثل في التراجم الشخصية والذاتية التي ترتبط بحياة الكاتب ذاته وتجربته هي من احب انواع الكتابة واشدها تشويقا، لأنها تعتمد بالدرجة الاولى على السرد وتتمثل في بناء تصور شامل من الحوادث والوقائع والخواطر المختلفة بهدف اضفاء المعنى على كل التفاصيل وتقديمها بطريقة متماسكة. 2) تعتمد السيرة الذاتية على اختيار بعض الوقائع واغفال البعض الآخر لإضفاء قدر من التماسك والمصداقية على الاحداث والخواطر الانطباعية، كما ان السيرة الأدبية التي يكتبها الأدباء هي التي يمكن ان تحقق شرط الأدبية، اما السيرة التي يكتبها الساسة والمفكرون ورجال الثقافة والعلم والتاريخ، فهي مجرد فصول في هذه المعارف ولا تكتسب صفة الأدبية ولا تدخل في فضائها الجميل. 3) ان ادب السيرة الذاتية في الثقافة العربية في اسعد حالاتها تحاول ان تقول ما تعتقد انه الحق، ويمارس بعض الكتاب لونا من هذا الكذب الذي سماه احسان عبد القدوس »تجملا« وهو كتمان بعض جوانب الحقيقة ورسم صورة مزيفة للذات، نتيجة لهذا الكتمان، في حين ان المنظومة الأخلاقية تتغنى بفضيلة الصدق ويؤيد هذا المبدأ المآثور من احكام الدين والحكمة. 4) ان عذوبة الصدق وحلاوته امتع واشهر من كل انواع الخداع والتزوير، وليس من الضروري ان تروى السيرة الذاتية بضمير المتكلم مادام من المفهوم صراحة انه يتحدث عن نفسه سواء اذكر اسمه ام لا. ومن نماذج السيرة الذاتية المفعمة بالصدق »الأيام« لطه حسين، التي رواها بضمير الغائب فكانت اثرا في حضور ذاتية صاحبها ويقظة ضميره الإبداعي، وتتميز الأيام برهافة التعبير وتوظيف تقنيات السرد التي هي المكونات الحقيقية لهذا التمثيل الجمالي للحياة.