قال اللّه تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، (النساء الآية 48)، وقال صلى الله عليه وسلم : «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، رواه البخاري ومسلم. وقال: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة «، رواه البخاري ومسلم. ويقول العلماء: إن الذنوب منها كبائر ومنها صغائر، كما قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، (النساء الآية31)، وقال تعالى: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}، (النجم الآية 32)، والصغائر مكفراتها كثيرة، فإلى جانب التوبة والاستغفار يكفرها اللّه بأي عمل صالح، قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود الآية 114)، وقد نزلت في رجل ارتكب معصية وقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أشهدت معنا الصلاة»؟ قال: نعم، فقال له: «اذهب فإنها كفارة لما فعلت» وقال صلى الله عليه وسلم : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر»، رواه مسلم، وقال «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»، رواه الترمذى بسند حسن. أما الكبائر فتكفرها التوبة النصوح كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى اللَّه توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم}، (التحريم الآية 8)، وكما قال بعد ذكر صفات عباد الرحمن وأن من يفعل الكبائر يضاعف له العذاب، {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل اللَّه سيئاتهم حسنات وكان اللَّه غفورًا رحيمًا}، (الفرقان الآية 70). أما الأعمال الصالحة غير التوبة فلا تكفر الكبائر، لأن هذه الأعمال الصالحة لا تؤثر فى تكفير الذنوب الصغيرة إلا إذا اجتنيت الكبائر كما تقدم في حديث مسلم. وعلى هذا قالوا: إن النصوص العامة التي فيها تكفير الأعمال الصالحة لكل الذنوب - كحديث الحج المتقدم - مخصوصة بالذنوب الصغيرة، أما الكبيرة فلا يكفرها إلا التوبة. وليكن معلومًا أن التوبة لا تكفر الذنوب التي فيها حقوق العباد لأن من شروطها أو أركانها أن تبرأ الذمة منها، إما بردها لأصحابها وإما بتنازلهم عنها.وبالتالي فالحج أو غيره من الطاعات لا يكفر الذنب الذي فيه حق للعباد حتى تبرأ الذمة منه ويؤيد ذلك أن الشهادة في سبيل اللَّه، وهي في قمة الأعمال الصالحة، لا تكفِّر حقوق العباد، كما ورد في حديث مسلم «يغفر اللَّه للشهيد كل شيء إلا الديْن». أما الذنوب التي هي حق للَّه فهي قسمان، قسم فيه بدل وعوض، وقسم ليس فيه ذلك، فالأول كمن أذنب بترك الصلاة أو الصيام فلا يكفر إلا بقضاء ما فاته من صلاة وصيام كما وردت بذلك النصوص الصحيحة، والثاني كمن أذنب بشرب الخمر مثلاً، فإن مجرد تركه والتوبة منه يكفره اللّه تعالى، والتوبة تكون بإقامة الحد عليه إن كانت الحدود تقام، وإلا فهي الإقلاع عن الذنب والندم عليه والعزم على عدم العود. وقد وردت نصوص تدل على أن التبعات والمظالم يكفرها اللَّه بالحج، لكن هذه النصوص غير قوية فلا تعارض ما هو أقوى منها، فالتوبة لا تكفر التبعات والمظالم إلا ببراءة الذمة، وكذلك الحج لا يكفرها إلا بذلك. وكل ما تقدم محله إذا لم تتدخل مشيئة اللّه، فإن تدخلت غفر اللّه كل شيء من الذنوب يقع من العبد ما عدا الإِشراك باللّه كَما قال سبحانه: {إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، (النساء الآية 116). وعليه فالإنسان الذي يفعل المعاصي اعتمادًا على أن الحج يكفرها - لا يجوز له أن يرتكن على الحديث المذكور، ولا أن يرتكن على مشيئة اللّه الذي يغفر الذنوب جميعًا، فربما لا يغفر الله له، نسأل الله العفو والعافية.——