تُبرز تصريحات عدد من الفنانين ل"المساء"، في النقاش حول تأسيس نقابة للفنانين، أهمية هذه الخطوة كضرورة ملحة لتعزيز حقوق المبدعين وتنظيم مهنة الفن، وأن تأسيس نقابة وطنية للفنانين، هو خطوة أساسية لتطوير المشهد الفني في الجزائر، وضمان حقوق المبدعين، والعمل على رفع مستوى الإنتاج الفني، بما يخدم الثقافة الوطنية ويعكس روح الالتزام والإبداع الحقيقي. فتحي كافي (كاتب مسرحي): من الجيد أن نبتعد عن حوار الطرشان أوضح الكاتب المسرحي فتحي كافي ل"المساء"، أن النقابة خيار لا بد منه، هي المكان الذي يلتقي الفنانون فيه، هذا التكتل الذي من شأنه أن يدافع عن مصالحهم وتواجدهم، ويصنع تقاليد لتفادي الفوضى والهمجية، ونقلد تجارب أخرى ليست تجاربنا. وواصل كافي، أن النقابة أيضا ثقافة، كيف تتعامل مع الدولة، ومؤسساتها قائلا "لابد أن تكون مرافقة مضمونة للمؤسسات والمشاريع الثقافية بوعي وعمق"، بمعنى أن تفهم هذه المؤسسات الفنان، ويجب أن نعرف ما ينقصنا من خلال الحوار والنقاش، والخروج بتوصيات، ومن الجيد أن نبتعد عن حوار الطرشان. فتحي مباركي (ممثل مسرحي): الثقة بين الفنانين هي الفجوة الكبيرة أكد الممثل المسرحي فتحي مباركي، أن تأسيس نقابة وطنية للفنانين، كان من المفترض أن يُنجز منذ استقلال الجزائر، لكن الواقع الحالي يعكس تأخرا كبيرا في تحقيق هذا الهدف الحيوي للمشهد الفني والثقافي. فالتحديات التي يواجهها الفنانون اليوم، لا تكمن فقط في النقص في التنظيم، بل أيضا في الفجوة الكبيرة في الثقة بين الفنانين أنفسهم. على الرغم من المحاولات السابقة لإطلاق مشاريع نقابية في هذا الإطار، إلا أن جميع هذه المبادرات لم تُحقق أهدافها المرجوة، في ظل غياب التوافق والانسجام المطلوب. وأشار المتحدث، إلى أن اليوم، وبينما تكبر الحاجة إلى نقابة تؤسَس من أجل حماية حقوق الفنانين، والدفاع عن مصالحهم في مختلف المجالات، يبقى الأمل في أن يتم تجاوز الخلافات الشخصية والتمسك بالمصلحة العامة للمجتمع الفني. النقابة يجب أن تكون المنصة التي تجتمع فيها مختلف الأصوات الفنية، والتي تكون قادرة على تخطي التوترات الداخلية بين أفراد الأسرة الفنية، من خلال تأسيس قواعد تنظيمية مرنة وخلاقة. وقال محدث "المساء"، إن إنشاء نقابة من شأنها معالجة التحديات والفرص بما يتماشى مع تطلعات الفن والثقافة الوطنية في الجزائر، أما المشكلة الحالية، فتتطلب صراحة وشفافية أكبر، حيث يجب أن نقول الحقائق مهما كانت مؤلمة أو مزعجة للبعض، لأن البقاء في حالة إنكار لن يعمل إلا على إعاقة التكامل والإبداع، وبدونهما لا يمكن بناء هياكل تحترم المبدعين وتدعمهم نحو تحقيق خيارات فنية راقية، وإبداع شامل يواكب تطورات العصر. تونس آيت علي (ممثلة ومخرجة مسرحية): .. نحن متأخرون جدا من جهتها، قالت المخرجة المسرحية تونس آيت علي، إنها لا تدري كيف سيتم إنشاء النقابة، أو من يقوم بهذا العمل، وكشفت عن أن ثمة موعدا مرتقبا يوم 24 فيفري الجاري في سطيف، في لقاء أول، سيجمع 6 أشخاص، "ونبدأ بتنظيم أنفسنا ضمن تكتل نقابي". واصلت آيت علي حديثها "بخصوص النقابة، نحن متأخرون جدا، كل المهن في العالم لديها نقابة، باستثناء الفنانين الجزائريين، وهو أمر ضروري ونتمنى أن ننجح في تأسيسها لمصلحة الجميع وليس للمنفعة الفردية، وعلى هذا المبدأ يجب أن نرتكز، والأمر متعلق أيضا بباقي الفنون، ليس المسرح أو التمثيل فقط". وأوضحت محدثة "المساء"، في الأخير، أن النقابة تأتي للدفاع عن حقوق الفنانين، مصالحهم، الحق في العمل، والحق في الصحة، و"حتى نكون أفرادا مثل باقي أفراد المجتمع، مع العلم أن المعاناة الكبيرة موجودة في قطاع المسرح". مختار حسين (ممثل ومخرج مسرحي): نريدها نقابة لا تميل لتيار معين حدث الممثل المسرحي مختار حسين "المساء"، عن أهمية تأسيس نقابة للفنانين الجزائريين وربطه بما هو حاصل في كل العالم، هدفها حماية حقوق الفنانين، وحتى أنها تعرف من هو الفنان الحقيقي، ومن شأنها أن تفرض بعض الشروط لتحقيق صفة الفنان، في هذا الشأن، قال متأسفا "تجربتي مع الحركة المسرحية أو الحركة الفنية في الجزائر جعلتني أفقد الثقة في الفنانين وفي الوصاية، حتى ألتزم وأمضي قدما نحو تأسيسها"، واستطرد "أول لقاء كان في مستغانم في 2012 أو 2013، كانت مجموعة من الأسماء المعروفة، مثال لخضر منصوري، حسان كشاش، يوسف سحيري، أحمد رزاق، شوقي بوزيد، ومع الأسف هؤلاء الأسماء كلما عملوا في مشاريع خاصة، حلم النقابة يتحطم". من جهة أخرى، يواصل مختار حسين "التغييرات في المسؤوليات على مستوى قطاع الثقافة أو المؤسسات التابعة لها، بالتالي يظهر صراع الشِلل في مؤسسة معينة أو تنظيم معين، وبالتالي تتغير الأهداف والتوجهات السابقة، وعليه، أعتقد أنه من الجيد أن تكون هناك نقابة الفنانين. عن وضعي الشخصي، أنا أشتغل في منصب مستشار فني في مسرح بشار الجهوي، لكني لا أرى نفسي كذلك، أريد أن أكون في وضعي الحقيقي، أن أكون ممثلا، أو مخرجا مسرحيا.. أعتقد أنني خلقت لهذا الأمر". وانتهى الفنان إلى فكرة، إن كان لابد من إنشاء نقابة، أتمنى أن تكون مثلما هي موجودة في باقي الدول التي تحترم نفسها وتقدر الفنان، نقابة لا تميل لتيار معين أو توجهات معينة، تكون مستقلة، مشددا على أن رأي مجموعة من الفنانين لا يختزل رؤية دولة، ولا يعكس رأي كل الفنانين. جمال عوان (ممثل تلفزيوني سينمائي ومسرحي): النقابة تُعتبر ركيزة أساسية على كافة الأصعدة قال الممثل جمال عوان "أعتقد أنه يجب أن نبدأ من البداية، فالنقابة اليوم، أصبحت ضرورة ملحة، وكما هو معروف لدى الدول التي تحترم نفسها، فإن النقابة تُعتبر ركيزة أساسية على كافة الأصعدة. في بعض الأحيان، يُستبعد الممثلون الذين ساهموا بشكل كبير في المشهد السينمائي والمسرحي الجزائري، سواء من حيث الرواتب أو التقدير الفني، لأنهم لا ينالون ما يستحقونه". وأشار المتحدث إلى نقطة هامة، تتعلق بأجور الممثلين، إذ أوضح "بالنسبة لي، الممثل المحترف هو ذلك الفنان الذي لا يضطر للعمل في وظيفة أخرى، بل يمتهن الفن بصفته مهنة ويُنتج أعمالًا سنوية، سواء في المسرح أو السينما، رغم أن عوائده المالية تظل ضئيلة مقارنة بما يحصل عليه الفنانون في أوروبا. أعتقد أن الفنان يستحق أجرا يليق بإسهاماته، تماما كما يحصل لاعب كرة قدم على أجره، لأن بلدا بلا فن هو بلد يفتقر إلى الروح، ووجود نقابة كفيل بالدفاع عن هذه النقطة".وفيما يخص تصنيف الممثلين بناءً على خبراتهم وسيرهم الذاتية والفئات الأكاديمية، أشار محدث "المساء"، إلى أنه يجب علينا إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها تقييم هؤلاء الفنانين. إذ أن التلفزيون اليوم، بات يُختزل في مجرد صورة أو رعاية من الرعاة، الذين غالبًا لا يحضرون عروضا مسرحية أو سينمائية بصورة منتظمة، بالتالي لا يستطيعون إصدار حكم موضوعي. في النهاية، يعود القرار للفنان نفسه، الذي يجب أن يُعبر عن اختياراته الفنية بحرية تامة، فهو الذي يُبدع ويُشكل الشخصية على خشبة المسرح. وختم "النقابة، كما نعلم، هي التي تتمتع بالخبرة في التفاوض مع المنتجين بشأن الأجور، بينما يظل الجانب الفني والتقني مسؤولاً عن اختيار الممثلين. علينا أن نتبنى نهجا جريئا وصادقا في اختيار المواهب، كأننا نوقع عريضة تعبر عن أسس السعادة لأولئك الذين قدموا الكثير للوطن، فلا ينبغي أن تُختزل جهودهم في مجرد تقييمات سطحية". محمد فريمهدي (ممثل تلفزيوني وسينمائي ومخرج مسرحي): نقابة الفنانين لا تخدم بعض الجهات أفاد الممثل والمخرج المسرحي محمد فريمهدي ل"المساء"، أن النقابة من المفروض أنها توجد من أجل مصلحة الفن بصفة عامة، والفنان بصفة خاصة، قائلا "نحن في 2025، ولا زلنا نبحث أو نتشاور فيما بيننا، إن كان لابد أن تكون لنا نقابة أم لا، وهذا في حد ذاته، أعتبره خللا كبيرا على مستوى الفهم، وعلى مستوى الفكر لدى الفنان". وتابع فريمهدي "أعتقد أن نقابة الفنانين لا تخدم بعض الجهات، لأنها تؤمن بأنها دخيلة على هذا العالم الذي نعيشه، فالدخلاء يستحيل أن تخدمهم نقابة الفنانين، لأنها لو وُجدت، ستعري الكثير منهم، الذين يلبسون رداء الفن، في حين هم ليسوا أهلا له، وبالإضافة إلى الانتهازيين، هم فنانون، لديهم إمكانيات في مجالهم، سواء كان فنانا، ممثلا، مخرجا، رساما أو كان راقصا، إلى غير ذلك.. يمتلكون قدرات، لكن من الناحية الأخلاقية ليسوا مؤهلين لأن يكونوا فنانين حقيقيين، لأن الفن قبل كل شيء، هو التزام". وذهب فريمهدي بعيدا في طرحه وقال "أنت فنان وليس لديك قضايا تدافع عنها وتلتزم بها..أعتقد أنك تسير في الطريق الخطأ، فهؤلاء الانتهازيون هم في غالب الأحيان متقربون من الهيئات الرسمية، من أجل نفع آني ضيق وصغير، وليس هدفهم الرقي بالفن، وإنما المصلحة الخاصة الذاتية، ونجد هؤلاء هم الذين يعرقلون ويضعون حواجز من أجل أن لا تكون هذه النقابة". وقال المتحدث، إنه يمكن تجنب هؤلاء الدخلاء من خلال عملية الغربلة، كما يجب الاقتناع بأنه يمكن أن نؤسس نقابة من دونهم، والمبادرون إليها يجب أن يتحلوا بالصرامة في اختيار الناس الذين يمثلون الفنانين، وتابع "من البداية إذا كنا نعرف من هم الدخلاء، من هم الانتهازيون.. أعتقد أننا من المنطق ومن البرغماتية أن نتجاوزهم، حتى لا يكونوا في النقابة". ابتسام بودريس (ناقدة وكاتبة مسرحية): "السراقين الثقافيين" يستفيدون من غياب النقابة ترى الكاتبة والناقدة المسرحية ابتسام بودريس، أن موضوع غياب نقابة قوية للفنانين في الجزائر، لطالما كان موضوعا مثيرا للجدل، خاصة مع تزايد التحديات التي تواجه المبدعين، في ظل غياب إطار قانوني يحمي حقوقهم ويدافع عن مصالحهم، لكن السؤال الحقيقي ليس لماذا لم تتأسس نقابة للفنانين بعد، بل من المستفيد من هذا الفراغ؟. تذهب بودريس في فكرتها إلى نقطة مهمة جدا، وتحدثت عن فئة تعيش على الفوضى وغياب التنظيم، فوضى تُبقي الفنانين في وضع هش، دون ضمانات اجتماعية، ودون آليات واضحة لحماية حقوقهم. وشرحت "هذه الفئة، التي يمكن تسميتها مجازا ب"السراقين الثقافيين"، تستفيد من غياب النقابة، لأنها تكرس بيئة يكون فيها الوصول إلى الدعم والتمويل والعروض مبنيا على الولاءات والعلاقات الشخصية، لا على الكفاءة والاستحقاق". وتابعت "إن الخطر الحقيقي ليس في غياب النقابة فقط، بل في أن تُختطف فكرة النقابة نفسها لصالح نفس الشبكات، التي استنزفت القطاع الثقافي لسنوات. لهذا، على الفنانين الحقيقيين أن يكونوا يقظين، وألا يسمحوا بأن تتحول النقابة إلى أداة جديدة بيد من كانوا سببًا في تهميشهم. فالنقابة التي يحتاجها الفنانون ليست تلك التي تُؤسس للحفاظ على امتيازات فئة معينة، بل التي تُدافع عن الجميع، وتُحقق العدالة الثقافية للجميع".