لم يكن أحد يتوقع أن تصل محاولة تنحية رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، إلى المستوى الذي وصلت إليه من التعقيد، فالرجل الذي عرف عنه المرونة والنزوع إلى تجنب الصدام، أبان عن مقاومة شرسة، خلفت العديد من التساؤلات. مقاومة “عمي السعيد” المثيرة تقترب من الأسبوعين، وهي المدة التي لم يكن أشد المتشائمين يتوقعها، بل إنه وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، ليس هناك من أفق في حصول حل قريب للأزمة الدستورية والمؤسساتية التي تضرب الهيئة التشريعية. فقد لجأ رئيس الغرفة السفلى للبرلمان إلى أدوات “غير تقليدية” في الرد على خصومه بهدف دفعهم نحو الزاوية، مثل التشكيك في أن تكون رئاسة الجمهورية هي من أوعزت للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس ووزير العلاقات مع البرلمان، محجوب بدة، وكذا نواب المجموعات البرلمانية الخمس المحسوبة على الموالاة، بدفع بوحجة نحو الاستقالة. بوحجة، قال بلغة مباشرة: “لو كانت رئاسة الجمهورية تريد إزاحتي من منصبي، لكانت أبلغتني”، وأكد أنه يتعرض لمؤامرة حيكت خارج المجلس، ودبّرتها أحزاب تحركها شخصيات تستهدف الحصول على مناصب في بعض مؤسسات الدولة. صمود “الرجل الرابع” في الدولة دفع جبهة خصومه إلى التململ، فقد سارع وزير العلاقات مع البرلمان، إلى التنصل مما نسب إليه من ضغوط على رئيس المجلس، في حين أن بوحجة ومصادر متطابقة تؤكد أن محجوب بدة، يعتبر رأس حربة في هذه القضية إلى جانب جمال ولد عباس. تمسك بوحجة بمنصبه لأزيد من أسبوع ورفضه الانصياع للضغوط، أدخل بعض النواب المحسوبين على الموالاة في نزاعات بسبب وجود توقيعات تحمل أسماءهم، تطالب بوحجة بالاستقالة، في حين أنهم لم يوقعوا أصلا، وفق التسريبات التي مصدرها مبنى زيغود يوسف. بالاضافة إلى ذلك، فقد جلب هذا الصمود المزيد من التعاطف والتأييد لبوحجة، ويبقى البيان الذي أصدرته المنظمة الوطنية للمجاهدين، أقوى دعم لرئيس الغرفة السفلى للبرلمان، منذ اندلاع أزمته مع ولد عباس ونواب الأغلبية، وقد اعتبر البيان ما حصل لبوحجة “تطاولا على ماضيه المشرّف ومحاولة واضحة للنيل من تاريخ المجاهدين”. وتنطوي أهمية هذا البيان في كون المنظمة الوطنية للمجاهدين تعتبر أكبر الهيئات الثورية قربا من مصادر صناعة القرار، وأكثرها تأثيرا ونفوذا في المشهد السياسي، وقد جاء هذا الدعم على خلفية أن بوحجة يعتبر أحد أعضاء هذه المنظمة، التي تعتبر ذراع السلطة رفقة منظمات أبناء الشهداء والمجاهدين، ما يعني أن المجاهدين أصبحوا طرفا في القضية إلى جانب رفيقهم في الجهاد، وفق ما يفهم من البيان. وعليه، فإن أثر بيان هذه المنظمة سيكون له وقع كبير على مصير الصراع الدائر في شارع زيغود يوسف في الأيام المقبلة، لا سيما أن بوحجة يطالب بمبررات لسحب الثقة أو بمعرفة الجهة التي أوعزت للنواب بالانقلاب عليه، وهو أمر من الصعوبة بمكان البوح به، من باب أن المسألة تتعلق بواحد من المبادئ الأساسية للدستور، والمتمثل في مبدأ الفصل بين السلطات، بمعنى أنه لا وصاية للسلطة التنفيذية على السلطة التشريعية أو العكس، فضلا عن طبيعة النظام الذي اعتاد تبني الغموض في التعيينات وإنهاء المهام.