استعاد الوسط الإبداعي بباتنة ذكرى وفاة الفنان والرسام التشكيلى الراحل الشريف مرزوقي في أجواء خيّم عليها الصمت والفتور، وهذا على الرغم من القيمة الإبداعية والأثر الذي تركه إلى غاية رحيله يوم الرابع 4 أفريل من العام 1991، ما جعله واحدا من أبرز الوجوه البارزة في عالم الفنون التشكيلية على المستوى الوطني. يؤكد الأستاذ نور الدين برقادي في حديثه ل”الشروق” بان الفن ارتبط في منطقة الأوراس بالغناء، وهذا قبل سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي ساهم ظهور مجموعة من الفنانين التشكيليين إلى توسع من يحمل صفة فنان إلى الرسامين والنحاتين، ومن هؤلاء الفنان المرحوم الشريف مرزوقي ومحمد الأزرق ورشيد قريشي، وقال نور الدين برقادي بأن جهود الراحل الشريف مرزوقي لم تقتصر على عالم الفنون التشكيلية، بل تعدى ذلك إلى المساهمة في تحديث الأغنية الأوراسية الناطقة بالأمازيغية، من خلال مساهمته في تأسيس فرقة “ثازيري”. توفي يوم 4 أفريل 1991 وسط صمت تام من طرف التلفزيون العمومي الذي لم يذكر خبر رحيله، وهذا رغم امتلاكه شريطين عن سيرته وأعماله، وحسب نور الدين برقادي فإنه في الذكرى الأولى لرحيله (1992) راسلت 12 جمعية ثقافية أوراسية إدارة التلفزيون لبرمجة أحد الأشرطة ليلة الذكرى، إلا أن التلفزة لم تعرض أي شيء. كان الفنان الراحل الشريف مرزوقي متأثرا حسب الكاتب نور الدين يرقادي بالرسام الفرنسي المسلم ناصر الدين دينيه. وإلى جانب ولعه بالريشة فقد كان متيّما بالقيثارة؛ حيث ساهم في تأسيس فرقة “ثازيري” للغناء الشاوي كما عشق كثيرا آلة التصوير. بالإضافة إلى الأعمال التي خلّفها، ترك الفنان بصماته على إبداعات عديد الفنانين الشباب في ميدان الرسم، والذين تتلمذوا على يده بدار الثقافة بباتنة، وساهم برسوماته في كتاب القس الفرنسي فيليب تيرياز الذي حمل عنوان: ” en flânant dans les Aurès “. ما جعله من كبار الرسامين التشكيليين الجزائريين، رغم وفاته وهو في العقد الرابع من عمره، وفي عز التألق والخصب الفني والإبداعي. ويعد شريف مرزوقي من مواليد 2 فيفري 1951 بجامعة (ولاية الوادي) وبعد فترة قصيرة من مولده عاد إلى أرض الأسلاف، قرية أمنطان، بلدية تيغرغار بباتنة، التي أصرّ والده أن يسجّل ميلاد ابنه بها، ومنها إلى مدينة باتنة التي عاش فيها أغلب فترات حياته. عشق رائد الريشة الأوراسية الرسم والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى (العزف على آلة القيتارة). في سنة 1969 التحق بمدرسة الفنون الجميلة التي كانت تقع بمتحف سيرتا (قسنطينة) وتخرّج منها سنة 1972، حيث نال شهادة الكفاءة في فن الرسم، بعدها سافر إلى الجزائر العاصمة لتكملة دراسته الفنية بمدرسة الفنون الجميلة؛ حيث تحصّل على الشهادة العليا للفنون الجميلة في سنة 1974. وقد ساهم الشريف مرزوقي في تأسيس ملحقة مدرسة الفنون الجميلة بباتنة سنة 1987، كما أشرف على ورشة الفنون التشكيلية بدار الثقافة بباتنة لعدة سنوات. من أعمال الرسام التشكيلي الشريف مرزوقي نجد ألواحا حول غوفي وسطوح أمنطان وراعي الغنم، وبورتريه الشهيد مصطفى بن بولعيد الذي تحصل بفضله على الجائزة الأولى سنة 1978 في مسابقة الرسم بباتنة، وفي سنة 1983 نال الجائزة الأولى في المهرجان الدولي للفنون التشكيلية بسوق أهراس عن لوحته “العرس”. فيما نظّم الفنان التشكيلي الأوراسي عدة معارض في قاعة الموقار ومقر الاتحاد الوطني للفنون الثقافية بالعاصمة، وكذا فندق الأوراسي وقصر الشعب، كما شارك في عدة معارض فنية بمدن أريس وأم البواقي وبوسعادة وقسنطينة، في الفترة الممتدة بين 1981 و1988. من جانب آخر، أخرج الفقيد فيلما تصويريا بعنوان “الصراع القبلي” بين أمنطان العلوي وأمنطان السفلي، وله عدة لوحات معروضة برئاسة الجمهورية وبإقامة الدولة ببوسفر (وهران)، في الوقت الذي أنجز المخرج رشيد بن إبراهيم فيلما عن أعمال الفنان سنة 1982، كما صمّم الراحل شريف مرزوقي غلاف كتاب الكاتب الفرنسي فيليب تيرياز الذي يحمل عنوان: “تجوال في الأوراس” الصادر عن منشورات نوميديا بعين مليلة، سنة 1986en flânant dans les Aurès. وقد توفي الرسام المبدع شريف مرزوقي يوم 04 أفريل 1992 بمستشفى عين النعجة (الجزائر العاصمة). ساهم الفنان عميروش المنحدر من منطقة مشونش ببسكرة في التعريف الرسام التشكيلي الراحل الشريف مرزوقي، وهذا بعدما خلّده حسب الأستاذ نور الدين برقادي بأغنية تعدّ من أروع ما قيل في فقدان الكبار، حدث ذلك عقب اصدار ألبوم بعد نحو سنة على رحيله، كما رثاه الإعلامي العربي ونوغي بخاطرة رثاء في ذكرى مرور 40 يوما عن وفاته، إلى جانب الفيلم الوثائقي الذي أنجزه المخرج رشيد بن براهيم حول أعمال المرحوم. كما تحدث عديد من عرفوه عن مناقبه وأثره الفني والإبداعي، حيث قال الروائي الراحل الهاشمي سعيداني عن الشربف مرزوقي: “لقد ساهم المرحوم بريشته في دعم الحركة الفنية في الأوراس، واقترن اسمه إلى جانب فنانين آخرين من المنطقة بعديد التظاهرات الرائدة، كما ترك بصماته على إبداعات مجموعة من الفنانين الصاعدين في ميدان الرسم من خلال السنوات الطوال التي أمضاها رفقتهم في ورشة دار الثقافة محمد العيد ال خليفة بباتنة، فقد كان يعمل منشطا ثقافيا منذ السبعينيات..”. وفي السياق ذاته، قاله عنه سليم سوهالي في تصريحات سابقة: “..الشريف مرزوقى، كان محطة هامة في حياتي؛ حيث ساعدني على اكتشاف ذاتي من خلال ألوانه ولوحاته التي كانت تعكس جزء من طفولتي. من خلال أعمال هذا الرجل الفنان أدركت شيئا هاما، وهو أننا نستطيع إعادة بناء ذواتنا ونتصالح مع أنفسنا، كما أنه يمكننا أن نعيد شيئا من ماضينا ونحتفظ به في قالب فني ونضمن وصوله إلى الأجيال التي تأتي بعدنا..”. وتزامنا مع مرور 28 سنة على رحيل ريشة الأوراس الخالدة الفنان الشريف مرزوقي، يتساءل الكاتب نور الدين برقادي: “لِم هذا النسيان لرجل قضى حياته في خدمة الثقافة مبدعا ومعلما.. لِم هذا التنكر لرجل أعطى الكثير للجزائر”. بدليل أن أعماله موزعة بين قاعات الحي الإداري بباتنة ورئاسة الجمهورية ومتحف سيرتا بقسنطينة ومقرات رسمية عديدة.. كما رسم بعض الجداريات في شوارع مدينة باتنة وأخرى في وهران والعاصمة.. عرضت لوحات الفنان في الكثير من أنحاء العالم: مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا.. وهي تصوّر الحياة الريفية في منطقة الأوراس.