عبد العالي رزاقي هل سأل أحد ممن يسمون أنفسهم ب"أصحاب القرار" لماذا يفقدون مع كل مرحلة شرعيتهم؟ وهل سأل رؤساء الجزائر الأحياء ماذا سيقول عنهم التاريخ؟ وهل سأل رؤساء الحكومات أنفسهم لماذا يلتزمون الصمت؟ وهل سأل الوزراء: لماذا يتبادلون على "المطلقات" أو يطردون من الحكومات؟ وهل سأل قادة الأحزاب أنفسهم لماذا يخافون من المناضلين في القواعد الحزبية؟ وهل سأل النواب أنفسهم: أين اختفى رؤساء الغرفتين ممن دخلوا بالطبل وخرجوا دونه؟ أسئلة وأجوبة؟ المؤكد أن الأسئلة التي ألجأ إلى طرحها محرجة، والأكثر تأكيدا أن الإجابة عنها ستكون أكثر إحراجا، لكن حين يسألك قارئ ألا تخاف من الأذى، أقول له: وهل يخاف من يرى بلده تضيع من الضياع معها؟ لقد دفعت الجزائر ثمنا باهظا من أجل تعددية "حزبية وإعلامية" دون الانتقال إلى البناء الديمقراطي، وكانت النخبة في دول الجوار تتبادل الأشرطة التي تهرب من الجزائر إليها، بالرغم من أنها مجرد تسجيل لحصص تلفزيونية أو إذاعية، وكان النموذج الجزائري في عهد الشاذلي بن جديد يجد معارضة له في الكثير من الأقطار العربية خوفا من "الكلام المباح". كان الكثير من المثقفين العرب يعتقد أن الثورة التي حررت الجزائر من 132 من الاستيطان، وصارت قبلة الثوار وحركات التحرر في العالم، قادرة على إنجاب ديمقراطية في مستواها، لكن خيبة الأمل كانت كبيرة، لأن رجال الدولة في الجزائر تحولوا إلى "سماسرة حروب"، فأصبحت العديد من الأنظمة العربية تخيف شعوبها من الوقوع في "النموذج الجزائري"، ومع ذلك فالمواطن دفع الثمن غاليا ومايزال يدفع من أجل الخروج من نفق وضعه فيه "رجال العقد والحل". هل كان محكوم على الجزائر أن تقحم في "تعددية شكلية"، تنجب حربا أهلية؟ ولماذا يتم التستر على "أفراد الحرب والمال" في الجزائر؟ وهل الجزائر في حاجة إلى أحزاب تتبنى برنامجا واحدا، في عالم متعدد الأصوات؟ وهل وجود 22 تشكيلة سياسية في البرلمان بغرفتيه يعيد الثقة للمواطن؟ وهل صارت التعددية هي الدخول إلى "بيت الطاعة والموالاة"؟" وماذا تجدي "الحصانة" لأصحابها في بلد يتدهور يوميا؟ وماذا يستفيد النظام الحالي من تجاهل الرسالة التي بعث بها الشعب في تشريعيات 17 ماي الماضي إليه؟ من كان يتصور أن التآمر على عبد الحميد مهري هو إلغاء لوجوده السياسي مخطئ، فهو يمثل حضورا وطنيا وعربيا أكثر مما يمثله الحزب الذي كان على رأسه؟ ومن كان يتصور أن توقيف الشيخ جاب الله عن نشاطه فهو مخطئ، لأن صوته صار أكثر مصداقية من "جناح الموالاة" الذي فقد مبرر وجوده السياسي؟. ومن يعتقد أن أحمد طالب الإبراهيمي، مولود حمروش، منتوري، رحابي وغيرهم قد أبعدوا عن السياسة فهو مخطئ لأنهم حققوا ما لم يحققوه عندما كانوا في الحكم. الطريق نحو التدمير الشامل؟ هل يعقل أن تفخر حكومة مرت "بعد توقيف المسار الانتخابي" بإنجاز و"ميترو الجزائر" يشهد على عجز النظام عن تنفيذ مشروعه الذي لا يتجاوز ال10 كلم؟ ربما يقول البعض هاهي الجزائر تدخل عصر "الطريق السريع" وهو أضخم مشروع؟ ومثل هذا الكلام فيه الكثير من المغالطات والأخطاء التي سترتكب في حق البلاد والعباد، فالطريق السريع الذي يخترق أهم معلم بيئي مصنف دوليا، وهو "الحظيرة الطبيعية للطيور والنباتات النادرة"، إنما هو بريد استئصال "تراث عظيم" لم يصنعه الإنسان وإنما جعله عز وجل جنة للجزائريين التي لم تنتبه إليها الحكومة؟ وإذا لم يتدخل الرئيس بوتفليقة لوقف الجريمة فإن التاريخ سيسجل عليه أنه أفقد الجزائر ما وهبها الله. و"القالة" ستختفي من أذهان الأجيال اللاحقة إذا تجاهل الرئيس ذلك، ولا أدعوا الجمعيات المدنية إلى التحرك لأنها مجرد "أحزاب"، تتحرك "دفة الموتى" ولا تتحرك، كما قال الشاعر العراقي مظفر النواب. مشكلة الجزائر أنها لا تملك رجالا يقدرونها، ولا سلطة تجدد في شعبها حب الحياة، ولا أحزابا لها علاقة بمفهوم النضال السياسي، ولا نخبا تقوم بالتوعية، والدليل أن الجامعة الجزائرية مقبلة على مشروع خطير وهو تحويلها إلى "معاهد للتكوين المهني" بإقحامها في نظام لم يشارك أستاذ واحد في مناقشته. إذا كان هدف النظام السياسي هو "إعاقة الفكر" وتجميد العقل الجزائري، وتخييط الأفكار، فإن مرجع ذلك إلى الخوف الذي حول التعددية السياسية إلى منابر نشاز لبرنامج واحد، وحول وسائل الإعلام إلى منابر ل"تضليل المواطن". ما الذي تستفيده البلاد من وجود برلمان لرفع الأيدي؟ وماذا تستفيد الجزائر من أساتذة ومعلمين ومربين همّهم الوحيد وصول الراتب في وقته؟ وماذا يرجى من طلبة لا يرون في الأستاذ إلا علامة أو تلاميذ لا يرون في المعلم إلا الانتقال من مستوى لآخر؟ معارضة أم معارضون أمام الكاميرات؟ اعتبر الكثير ظهور حزب معارض في لندن هو مساس بالديمقراطية، بل هناك من وصف أصحابه ب"العملاء" ولو كنت من المنتمين إلى الأحزاب لأصدرت بيانا أرحب فيه بهذا الحزب وأدعو إلى الالتحاق به، فمنذ انتخاب الرئيس بوتفليقة عام 1999 لم تعتمد وزارة الداخلية حزبا واحدا، وحتى حزب عمارة بن يونس الذي كان مواليا للرئيس لم يعتمد. والأحزاب الموجودة في "بيت الطاعة" من بقايا "أتباع معاوية" الذين فضلوا دخول بيته على دخول المسجد أثناء فتح مكة. ويعتقد من دخلوا البرلمان أنهم اكتسبوا شرعية وجودهم كأحزاب أو تشكيلات سياسية، وهو اعتقاد خاطئ، فالجزائر ليست فيها "ممارسة حزبية"، ولا أعرف حزبا واحدا ندد بالاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني أو الجرائم الأمريكية في العراق، أو اعتنق مبدأ ونادى به، أو نظم مسيرة من أجل حماية المواطن من التعسف في استعمال السلطة. أحزاب كارتونية وقادتها موجودون على أوراق الصحف وليس لهم وجود في غير المحتشدات الرسمية "بنادي الصنوبر، أو موريتي أو سيدي فرج". والجزائر مقبلة على تعديل الدستور، وهو معدل ميدانيا، ومقبلة على انتخابات محلية وهي معدة مسبقا. ومجلس الشعب صار من طبقتين. أحزاب الائتلاف وتضم 250 مقعد، و"أحزاب الغلاف" وتضم 139 تشكيلة سياسية ومن حق قادتها أن يتحولوا إلى "وجوه معارضة" في برلمان هَمُّ أعضائه هو ألا يتعرض لهزات سياسية ويتم حله. والكل يدعو الله سرا وجهرا في أن يطيل الله في عمر الرئيس حتى يطيل في عمرهم. وشعار الجميع من يدخل "بيت الطاعة" و"الموالاة" فهو آمن تيمّنا بالحديث الشريف "من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن" ومادام المسجد مستثنى من ذلك فإن الجميع واثق بغيره وليس بنفسه.