كلما يأتي موعد الانتخابات الرئاسية أتذكر رواية "عرس بغل" للطاهر وطار، وكلما تتحرك الآلة الانتخابية، على حد تعبير أحمد أويحيى، أتذكر كتاب " نهاية الديمقراطية" لجان ماري جونيو. فما الذي يجمع بين الروائي والمفكر؟ وما الذي يجمع بين رئاسيات 1995 و2009؟ * * يقول الطاهر وطار »العنابية في حاجة إليّ. الوهرانية أيضا. حياة النفوس كذلك كل البنات في حاجة إليّ ما دام العرس مقاما، فلا بد من حضوره. كل الأعراس عرس بغل، ولا داعي للهروب منها«، ومن الطبيعي أن »ينضم الهيكل العظمى إلى إخوانه« فالهياكل تتحرك. والحقيقة أن السر في الرواية عند الحاج كيان ولم يعد ممكنا ممكنا أبدا.. إنقاذ الجرة. لقد ملأوها قطرانا، وصعدوا إلى قمة جبل صخري، وقذفوا بها، إنها لا بد وأن تنكسر، كان لا بد أن تنكسر، وهذه المرة ستنكسر لا محالة«. و»العرس عرس وإن كان عرس بغل« كما يقول المثل الجزائري. * وما يشدّني في رواية الطاهر وطار هو أنها تعبر بصدق عن مأساة النظام السياسي العربي، وما زلت أحفظ فقرات منها، منذ 1982 حتى الآن، وخاصة حوار قباض الأرواح مع الخليفة العباسي: * »أنت الآن الخليفة العباسي، المعتز بالله بن المتوكل، أخوك المنتصر، قتل أباه المتوكل، ليستولي على الخلافة، ويموت بعد ستة أشهر بسُم طبيبه ابن طيغور، جئت لتسد الفراغ الذي خلفه هروب المستعين بالله إلى بغداد، قادة العساكر يبايعونك، فما أنت فاعل؟ * سأكون خليفة حقيقيا، سواء أكنت هنا بسامراء أو هناك ببغداد، أبي لم يقتله أخي، ولم يظلمه الأتراك. قتلته أفعاله العابثة، فما أن تولى حتى سال لعابه لأملاك آل أحمد بن أبي ولد قاضي القضاة فراح يعمل فيهم السيف، وسمح لعدو الرأي والعدل، يحيى بن أكثم الشافعي، أن يهدم قبر الحسين، وأن يطلق سراح جميع الفقهاء المتزمتين، ويحرم البحث الفكري وأن يضطهد أهل الذمة.. « * وإذا كانت هذه هي رؤية الروائي الكبير الطاهر وطار ل »نظام الحكم العربي« فإن ما حدث في الأقطار العربية خلال نصف القرن الماضي أكد حقيقة واحدة وهي أن »سدرة المنتهى« ستبقى بعيدة عن التداول على الحكم، لأن الفكر الأحادي مغروس في ذهنية السياسي الجزائري، هل يستطيع أحد أن يذكر لي اسم حزب جزائري واحد تم فيه التداول على رئاسته إلا عن طريق الانقلابات أو المؤامرات أو الوفاة. * هل أنا في حاجة إلى التساؤل عن استمرار آيت أحمد منذ 1963، واستمرار سعيد سعدي، ولويزة حنون منذ 1989؟ وهم المحسوبون على الديمقراطيين على رأس الأحزاب ويتبجحون بالديمقراطية؟ ويطالبون بالتداول على الحكم؟ * لقد تساءل جان ماري جونيو في كتابه (نهاية الديمقراطية) قائلا: »هل تبقى الديمقراطية الغربية إلى ما بعد العام 2000؟« ويجيب »إن اختفاء الأمة يحمل في طياته موت السياسة« مؤكدا على أن »عمل اللوبي اليوم لا يهدد هذه الحدود إلا فيما ندر، إلا أنه يعرقل تشغيل الآلة الديمقراطية نفسها، فالعنصر اللوبي ليس شيئا آخر سوى سمسار في المعلومات، فهو يعبئ لحساب الشركة أو المصالح التي يمثلها، كل المعلومات الكفيلة بدعم وجهة النظر التي يعتزم الدفاع عنها«. * فالحقبة البوسنية حولت 40٪ من المجتمع الأمريكي إلى »مجتمع عسكري« والديمقراطية التي كان يتبجح بها الأمريكية بالنسبة للكيان الصهيوني، أثبتت أنها تبجح ب »نظام هتلري دموي« وأن الغرب يقف وراء سفك دماء الفلسطينيين في غزة. * * الديمقراطية على الطريقة الجزائرية * * بالرغم من أنه لم يعلن ترشحه، ولم يبد نيّته في الترشح، إلا أن لجان المساندة، والأحزاب، ملأت له استمارات الترشح، وهو لم يتقدم بطلب إلى وزارة الداخلية لسحبها أو كلّف غيره بسحبها. * وبالرغم من أنه لا يعرف أحد مضمون برنامجه الانتخابي، إلا أنه تسلم »شيكا« بمليون توقيع من شباب نقلت الإذاعة الجزائرية على ألسنتهم أنهم ليسوا من »أنصار السياسة«. * وقبل 72 ساعة من إعلان ترشحه (المقرر اليوم في القاعة البيضاوية)، سرّب وفد فرنسي، التقاه برئاسة الجمهورية، بأنه »بصدد تحضير من يخلفه«، مما أثار »توترا« لدى أنصاره، وتساؤلات لدى أحزاب »التحالف الرئاسي«. * يبدو أن الكثير يستغرب من هذه »الخرجة« الجديدة لأعضاء الحزب الاشتراكي الفرنسي، خاصة وأنها جاءت عشية إعلان ترشحه؟ وربما يتساءل البعض ما الغرض منها؟ وهل هي تدخل في »المضاربات الإعلامية« أو التضليل الإعلامي؟ أم أنها »نقل صحيح« لنية صادقة في تعيين »نائب« للرئيس بعد 9 أفريل القادم؟ * يقول جان ماري جونيو: »في عالم كهذا نجد أن الإفراط في المعلومات يقتل المعلومات، والمسار المجزأ لعملية القرار يقلل من هامش الاختبارات«. هل سأل أحد نفسه: لماذا ينخفض سعر السيارات النفعية في أمريكا والغرب إلى أكثر من 30٪ بينما يرتفع سعرها في الجزائر؟ وهل سأل أحد نفسه لماذا خفضت الحكومة الدينار ب 20٪ أمام الدولار و25٪ أمام اليورو؟ وهل للزيادة في الرواتب علاقة بهذا التخفيض؟ * أعتقد أن النظام الجزائري يتبع سياسة غير صائبة، لأنه عزل الجزائر عن الاستفادة من »تدهور الاقتصاد الدولي«، أو تجنب انعكاساته عليها، فالانخفاض الذي يحدث حاليا في المواد الأساسية للبناء والصناعات لا تستفيد منه المؤسسات الجزائرية، بسبب »المضاربة«، بل إن هناك خطة يراد منها حجب الحقائق عن المواطنين، لممارسة الضغوط على وسائل الإعلام، فالصفحات الإشهارية العمومية انخفضت من 200 صفحة يوميا إلى 80 صفحة في اليوم، وهي تعطى لصحف يقل سحبها 10 آلاف نسخة، وأن سلطة الضبط على المتعاملين مع الهاتف النقال (جازي، وموبيليس ونجمة) أوقفت الإشهار، ومنذ بضعة أشهر، وهذا يعني أن حجم تمويل »حرية التعبير« الذي كانت تشكل مؤسسات القطاع الخاص 70٪ منه، صار لا يتجاوز 30٪، وهو في أيدي الحكومة، وكأن ما يهم الحكومة هو التضييق على الصحافة بعد أن منعت اعتماد الأحزاب، إذ من 1999 حتى الآن لم يعتمد في الجزائر حزب واحد، ولم تصدر المحكمة حكما نهائيا في القضايا المتعلقة بالأحزاب، باستثناء قضية جبهة التحرير عام 2004. * الحديث عن الديمقراطية كحديث ويستان أودن عن الفن والجمال في كتابه (محنة الشاعر في أزمنة المدن) حيث يقول: »لو كان تولستوي مقتنعا عندما كتب ما هو الفن؟ بالرأي الذي يقول: إذا تم الفصل بين الجميل والمفيد لن يبقى هناك فن، لما اتفقنا معه في الرأي، وإن كان من الصعب علينا دحض ما يأتي به. ولكن تولستوي لم يكن راغبا في القول: لو لم يكن هو وشكسبير فنانين لما كان هناك فن حديث« وكان من خلّد تولستوي غير »الجريمة والعقاب« ومن خلّد شكسبير غير مسرحياته، فماذا أنتجت أحزاب السلطة وجمعياتها سوى أنها ما تزال متشبثة بالسلطة، وكأنها تردد مع الطاهر وطار »لا شيء من الأعماق، كل ما هناك عرس بغل، أعراس بغل في حجم الكرة الأرضية« أو كأنها ترد مع جان ماري: * »نحن نفضل التفكير في الفساد بوصفه ظاهرة قديمة ومخلفة مؤسفة في عصر لم يعد فيه أحد يفصل بين الثروة الخاصة والممتلكات العامة«.