الدوحة- عبد الباقي صلاي الحكومة الجديدة القديمة التي أعاد رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الثقة في رئيسها الجديد القديم هو أيضا عبد العزيز بلخادم،أعادتنا تقريبا إلى أجواء الفترة التي سبقت تعيين بوتفليقة نفسه لحكومة أحمد بن بيتور عقب اعتلائه سدة الحكم عام 1999،والتي انبثقت عبر مخاض عسير سبقتها تحليلات وتخمينات الطبقة السياسية على مختلف مشاربها المفاهيمية،والصحافة على توجهاتها آنذاك لاسيما وأن عبد العزيز بوتفليقة تأخر ثمانية أشهر قبل أن يعلن عن تشكيلتها،إضافة إلى أن الرجل أوحى للجميع عبر ما كان يقوله في خطبه العرمرمية،أن الحكومة القادمة ستكون إحدى المفاجآت التي افتقدها المجتمع الجزائري،بل ستكون هذه الحكومة بمثابة الترياق لكل مشاكل الجزائريين. ربما تكون أجواء اختيار هذه الحكومة بقيادة عبد العزيز بلخادم هي نفسها التي كانت قبل تعيين حكومة أحمد بن بيتور عام 1999،ولو بشيء طفيف من الاختلاف،فحكومة أحمد بن بيتور جاءت بعد أن حسم الشعب اختياره لمشروع الوئام المدني والمصالحة الوطنية،بحيث كان الشعب ينتظر بلهفة ترجمة ما كان يقوله الرئيس حول إعادة الاعتبار للجزائر ولاقتصادها ولأمنها،بينما الحكومة الحالية فجاءت بعد أن أظهر الشعب امتعاضه للانتخابات التشريعية الأخيرة،ولو أن الحكومة على لسان وزير الداخلية يزيد زرهوني تقول أن نسبة المشاركة تخطت سقف 35 بالمائة. الفرق يكاد يكون تقريبا منعدما بين ما كان يقال قبل أن يتم الإعلان عن حكومة أحمد بن بيتور،و ما قيل قبل الإعلان عن حكومة عبد العزيز بلخادم في طبعتها الحالية،لكن في كل الحالات النتيجة هي نفسها واحدة، تكمن في أن الطقم الحكومي المسيّر منذ مجيء عبد العزيز بوتفليقة وهو يعرف حالة الهشاشة ،ليس لغياب الكفاءة الشخصية،ولا لغياب أدوات العمل ولكن لغياب التجانس بين ما يطلبه الشعب وما يراه هذا الطقم الحكومي فضلا عن استحواذ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لكل الصلاحيات الخاصة بالتسيير،والقرار الفعلي،ومن يسمع الوزراء وهم يتحدثون عن أعمالهم مقرونة بجملة" حسب برنامج فخامة رئيس الجمهورية" يدرك فعلا أن الحكومة هي مجرد ديكور جميل يزين الكرنفالات والمناسبات،تتحرك وتدلي بتصريحات للصحافة، لكن لا تفعل ولا تقرر شيئا. الانتخابات الأخيرة لم تفض حقا إلى ما كان يتوق إليه الشعب الجزائري،وكانت منتظرة حركة المقاطعة الشعبية التي حسب كثير من المحللين هي بداية لوعي سياسي جديد بدأ يتشكل في الأفق،وإن كانت هذه المقاطعة هي رسالة للسلطة الحاكمة حسب عديد من المراقبين للشأن الجزائري، بأن الهوة بين هذه السلطة وبين الشعب لا تزال كبيرة و هي في اتساع مطرد يوما بعد يوم،والدليل على ذلك هذه الوجوه لهذه الحكومة التي أعيد لها الاعتبار مرة أخرى رغم أن مردودها ميدانيا ضعيف،وهزيل وهذا باعتراف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بذلك. هناك عدة قراءات تخص عدم اكتراث عبد العزيز بوتفليقة بالطقم الحكومي،أو إعطائه الأولوية القصوى خلال هذه المرة أو هذه الفترة،وتتمثل القراءة الأولى كون الرئيس مل ّ وكلّ من البحث عن الإطارات التي يستطيع أن يحتاجها في الإيفاء بالوعود التي أطلقها أمام الشعب منذ ما يقارب ثماني سنوات لاسيما ما تعلق منها بإنعاش الاقتصاد الوطني و إنقاذ الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي تموت ببطء وفي صمت رهيب.القراءة الثانية وهي أن الرئيس توجهاته في الفترة الحالية منصبة حول تغيير الدستور من أجل عهدة ثالثة، وهذا ما بدأ التحضير له من قبل عبد العزيز بلخادم والمجموعة التي معه،ما يعني بداهة أن الوجوه الوزارية الحالية كفيلة بتحقيق ما يصبو إليه وهو العهدة الثالثة،القراءة الثالثة هي أن البرلمان نفسه لا يهم الرئيس سواء من قريب أو من بعيد وكذا مرة عبّر عن سخطه عن هذا البرلمان،ليس لكونه لا يعترف به أو لا يحترمه ولكن لأن البرلمان بالنسبة له وجوده كعدمه مادام التشكيلة السياسية برمتها تحت جلبابه،زيادة على ذلك أن عبد العزيز بوتفليقة لم يبد أي رغبة في تغيير هذا الطقم الحكومي قبل التشريعيات ،رغم أن عبد العزيز بلخادم لمح دون أن يصرح،و لعب ورقة التغيير قبل التشريعيات مركزا على ضرورة تغيير بعض الوجوه التي تقلقه،أو التي لا تأتمر بأوامره وتعمل مباشرة مع الرئيس. كل المؤشرات تشير أن الوضع سيبقى على حاله ولن يكون هناك أي تغيير سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، وكل ما هنالك أن فترة أخرى ستضيع كما ضاعت فترات كثيرة، والضحية بطبيعة الحال هو الشعب الجزائري،والجزائر. لأنه من غير المنطقي أن يستطيع هذا الطقم الحكومي الذي هو فاشل بكل المواصفات العالمية،ولست أنا من أصدر هذا الحكم ولكن الواقع الذي ينضح بكل ما يؤكد أن هذه الحكومة النيوكلاسيكية لم تتمكن ولن تتمكن من أن تحل معشار المشاكل التي يعاني منها الشعب. وهناك عامل آخر يتم التغاضي عنه من قبل السلطة الفعلية وهو عامل الوقت،فإضافة إلى أن أعضاء الحكومة هم مجرد موظفين حكوميين لدى السلطة ،ومنه فهم غير قادرين على إيجاد حل للمشاكل المتفاقمة،فإن عامل الوقت زاد من الشرخ الذي تحدثنا عنه سابقا،كما خدم أفرادا وجماعات دون أن يعود ذلك بالخير على الشعب الجزائري. والشعب قال كلمته سواء بالمقاطعة أو بالمشاركة الضعيفة، وهذا مؤشر قوي للسلطة الفعلية كي تراجع حساباتها حيال كل القضايا الكبرى التي تمس الحياة برمتها في الجزائر سواء من بعيد أو من قريب. وإذا كان حل مشاكل الجزائر اليوم ممكنا في ظل هذه الوفرة المالية، وتخمة الدولار التي عليها الخزينة العمومية،فيعلم الله ماذا ستكون عليه الجزائر بعد أن تنزل أسعار البترول،هل ستعود الدولة إلى حالة التسقط أمام أبواب المؤسسات المالية الدولية،أم أنها تشهر إفلاسها وتترك الجزائر تغرق في بحر الاستعمار الجديد. طريقان لا ثالث لهما أمام الجزائر اليوم بعد أن بلغت الأزمة الحلقوم،فإما أن تكون هناك حكومة حقيقية يشكلها خبراء،يدركون حجم التحديات العالمية،ويمتلكون الرؤى الإستراتيجية،ويعرفون كيف يسيّرون الملفات الكبرى بحنكة ودراية،و باستماتة كبيرة،وإما أن تستمر الأمور على ما هي عليه،وتستمر الحكومة في ترويج النجاح عبر التلفزيون، دون لمس ذلك على أرض الواقع،ويستمر الشرخ في الاتساع بين الشعب وبين هذه الحكومة،ويسود الإحباط لدى أوساط كثيرة من الشباب،وهذا حاصل عبر ما نسمعه من حالات الانتحار الكثيرة في كل الولاياتالجزائرية ومن أعمار متفاوتة، وقد أضحت هذه الانتحارات في السنوات الأخيرة ملاذا لمن سدت في وجه السبل.لكن من دون أن تحرك الحكومة ساكنا أو حتى تعلن حالة الطوارئ من أجل ذلك وكأن هؤلاء المنتحرون من جنس آخر ومن كوكب بعيد عن الجزائر. أما وإن كان الأمر مقصودا أن يبقى التعفن هو السيد،وهو السائد في زمن رأينا فيه أصغر و أفقر الدول تعطي دروسا في الديمقراطية ودروسا في التفاني من أجل خدمة شعبها كما هي الحال مع الرئيس الجديد لموريتانيا الذي تبرع بربع مرتبه،وأمر وزراءه بأن يتنازلوا عن جزء من مرتبهم،فإننا سنشهد تحولا وتغييرا آخر على المديين المتوسط والبعيد،وعن الكيفية فستحددها القوانين الإلهية التي التي لا تحابي احدا.