ركن قصة مكان، يأخذكم، في هذا العدد، إلى مدينة الإسكندرية التاريخية، التي أنشأها الإسكندر الأكبر، عام 332 قبل الميلاد، وتدخل المجلة إلى أحد أهم المعالم التاريخية بهذه المنطقة.. قلعة “قايتباي”، التي أصبحت قطبا سياحيا بامتياز، يجذب إليه الزائرين المولعين بالآثار والتاريخ. قلعة قايتباي.. شاهد على التاريخ تعتبر قلعة قايتباي من أهم وأقدم المنشآت التاريخية بالإسكندرية، شيدها السلطان المملوكي “الأشرف أبو النصر قايتباي”، سنة 882 هجرية، الموافق لسنة 1477 ميلادي. بنيت القلعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مكان استراتيجي، يسمح لها بحماية مصر من المخاطر الخارجية. شيدت القلعة على أنقاض منارة الإسكندرية العظيمة، التي تهدمت على إثر زلزال عنيف ضرب المنطقة. الداخل إلى قلعة “قايتباي” يحس للوهلة الأولى بأنه على موعد مع التاريخ.. فممراتها المبهرة والحجر المبنية به وسراديبها وحتى النوافذ الصغيرة التي كان الجنود يرمون من خلالها الأعداء بالأسهم.. كل هذا يجعلك تحس بأنك في حضرة التاريخ نفسه. تتميز القلعة بطلة ومنظر رائعين، فهي تسمح بمشاهدة مدينة الإسكندرية، التي تظهر معانقة للبحر، في مشهد رائع، وكأنه لوحة فنية رسمها أمهر الرسامين. هندسة معمارية توحي بهيبة القلعة وقوتها.. بنيت قلعة “قايتباي” على مساحة كبيرة، قدرها 17550 متر مربع. وما يلفت النظر في القلعة، هو الأسوار الخارجية المحيطة بها واستحكاماتها الحربية. فهذه الأسوار تشكل فعلا حصنا منيعا ضد أي هجوم خارجي، فهي مبنية من الأحجار الضخمة التي يصعب اختراقها. السور الأول، يحيط بالقلعة من أربع الجهات، وتتخلله حجرات متجاورة كانت تستعمل كثكنات للجنود. وتحتوي هذه الحجرات على بعض الفتحات للتهوية وللدفاع أيضا. أما القلعة بحد ذاتها، أو البرج الرئيس، فهو مربع الشكل، طول ضلعه 30 مترا وارتفاعه 17 مترا، مبني بالحجر الجيري الصلب، يتكون من ثلاثة طوابق مربعة الشكل، يخرج من كل ركن من أركانه الأربعة برج دائري يرتفع عن سطح البرج الرئيس (أعلى من البرج الرئيس)، وينتهي من أعلى بشرفات بارزة، كما يضم فتحات لرمي السهام. بالطابق الأول للقلعة مسجد بصحن جميل، وممرات واسعة، تسمح للجنود بالمرور بسهولة في حال وقع أي هجوم على القلعة. أما الطابق الثاني، فيحتوي على العديد من الغرف والقاعات الفسيحة والممرات. والطابق الثالث يحتوي على حجرة السلطان قايتباي، أو مقعد السلطان، الذي كان يجلس عليه السلطان لمشاهدة السفن وهي على بعد يوم من الإسكندرية، كما أن في هذا الطابق فرنا لإعداد الخبز وطاحونة. اهتمام السلاطين والحكام بالقلعة على مر العصور تعتبر قلعة قايتباي منذ تشييدها من أهم القلاع الموجودة في المنطقة، فكانت بذلك محل اهتمام السلاطين والحكام على مر العصور.. وفي العصر المملوكي، اهتم السلطان “قانصوه الغوري” بهذه القلعة اهتماما شديدا، حيث زاد في نظام الحماية والسلاح والعتاد. وفي عصر العثمانيين، لما كان الحكم العثماني مزدهرا، حافظ الحكام العثمانيون على هذه القلعة، وجعلوها مكانا لجنودهم على اختلاف الأطياف، فمنهم المشاة والفرسان والمدفعية، فقد كان العثمانيون يعتبرون القلعة بوابة رئيسة لمصر بالساحل الشمالي، لهذا شددوا نظام الحماية فيها. ولما ضعفت الدولة العثمانية، ضعف معها نظام الحماية بالقلعة، فاستطاعت فرنسا بقيادة نابليون الاستيلاء على القلعة، وعلى مدينة الإسكندرية.. وكان ذلك عام 1789م. وفي عهد محمد علي باشا، تم تجديد أسوار القلعة وتقويتها، وإضافة بعض التطورات لتناسب القلعة النظام الدفاعي الجديد للقرن التاسع العشر الميلادي، فقد تم تزويدها بالمدافع الساحلية وعدة حصون انتشرت على طول الساحل الشمالي لمصر. وفي عام 1904م، قامت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاح الأضرار التي لحقت بالقلعة جراء الاحتلال الإنجليزي لمصر. وحاليا.. تحضر الحكومة المصرية مشروعا يزيد من قوة القلعة، حيث سيتم ترميم الصخرة الأم، وإنشاء حواجز غاطسة، تحمي القلعة من التآكل بفعل الأمواج.. ومن المنتظر أن يتم بناء جدار يحيط بهذه القلعة التاريخية على بعد 15 مترا من أسوارها الخارجية.