يأتينا عيد الفطر هذا العام ونحن تحت الحجر الصحي الذي فرضه انتشار فيروس كوفيد19 الذي انتشر في جل بقاع العالم.. مُنعنا من الاجتماعات والتجمعات وأغلقت المساجد احترازا من انتقال العدوى، ولم نُمنع أجر الجماعات بإذن الله، وحُرمنا من المصافحة عند إلقاء السلام فضلا عن التعانق والاحتضان حصارا للوباء، وسُمي ذلك تباعدا اجتماعيا ولم يكن سوى تباعدا جسديا ولّد الاحساس بحاجتنا إلى قرب بعضنا من بعض، كما انقطعت الزيارات العائلية واللقاءات الرحِمية اضطرارا لا إعراضا عن أمر الله تعالى في صلة الأرحام، وكل ذلك من أوجه ممارسة الفرح الجماعي تعبيرا عن الفرح الفردي في عيد فطرنا وأضحانا. هل يمكن لإجراءات الوقاية التي فُرضت علينا بسبب جائحة كورونا أن تنتزع عيدنا؟ أو أن تقتل فرحتنا بهذا العيد؟ أو أن تطمس هذه الشعيرة العظيمة من شعائرنا القويمة؟ لقد دأبت الأمة الجزائرية على غرار الأمة الاسلامية،مع زيادة حرص من الجزائريين، على تقديس عيد الفطر والأضحى بدرجة كبيرة تفوق كثيرا من الشعائر الأخرى، من خلال خروج الناس كبارا وصغارا فرادى وزُرافات إلى المصليات والمساجد لشُهود صلاة العيد حتى وإن كان توقيتها متقدما على توقيت استيقاظ العامل في أيام عطله وأعياده. يعلو محياهم الفرح والبِشر وتغمر نفوسهم السعادة والسرور، مرتدين أنظف وأجمل ثيابهم التقليدية خاصة، مكبِّرين مهللين مسبّحين وحامدين الله تعالى على ما أفاء عليهم من توفيق لأداء العبادة التي سبقت العيد، مقبلين على صلاة العيد خاشعين مطمئنّين، ثم مستمعين لخطبة الإمام بإنصات لا لغو فيه.. وماأن يفرغ الإمام من خطبته حتى ينكبّ أهل المسجد بعضهم على بعض مصافحة وتسليما وعناقا، تلهج ألسنتهم بالدعاء "تقبل الله منا ومنكم وغفر لنا ولكم"، في مظهر لا يُرى في أيٍّ من دور العبادة عند غير المسلمين في العالم كله. ليرجعوا إلى منازلهم التي تزيٍّنت بأنواع شتى من الحلوى والتمور التي يأخذون منها في ترحالهم ضمن "زيارات التقبيل" كما تسمى عندنا، وِجهتهم فيها أسرهم وأرحامهم وأحبابهم، طيلة يومين كاملين، وبصحبتهم الأطفال وقد تعطّروا وتزيّنوا بحُلل بهية كأنهم طيور في الجنة. هذهالمظاهر وغيرها، ورثتها أمتنا ضمن الإرث النبوي الشريف، حيث قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "إنّ لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"، والذي تعلمنا منه أن أفضل الفرح ما كان باعثه الدين والعقيدة. قال الله تعالى: ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)). والمتأمل لعيديالمسلمين يلحظ أن كليهما يأتي بعد عبادة عظيمة. فعيد الأضحى هو تتويج لعبادة تجتمع فيها العبادة القلبية والبدنية والمالية في فريضة الحج، وعيد الفطر يأتي بعد عبادة الصيام وما رافقها من قيام وتلاوة قرآن واعتكاف وزكاة فطر وغيره من صالح الأعمال خلال شهر كامل، ليفرح المسلمون بما وُفّقوا إليه مما قدموه لأنفسهم من عمل صالح يرضي خالقهم ليكرمهم بصنوف العطايا الربانية والمنح الإلهية. إن عيدنا لن تقوى أي جائحة أن تعلو عليه أو أن تطمسه أو أن تمحو آثاره في مجتمعاتنا، وإن فرحتنا بأعيادنا فطرية وشرعية ولن تقتلعها من صدورنا إجراءات منظمة الصحة العالمية مهما بلغت في صرامتها ومهما كانت مبالغا فيها أحيانا. إننا وإن كنا في هذا العيد لن نخرج للصلاة في المصليات والمساجد، فسنصلّيها في بيوتنا مع أولادنا لنغرس فيهم تعظيم الشعائر وإن كانوا في زمن الوباء.. وإن كنا لن نُكبّر تكبيرات العيد من مساجدنا الفساح فسنُكبّر من بيوتنا مع أولادنا لنعلّمهم أن الله تعالى أكبر من وباء كورنا ومن كل قوى الشر في العالم.. وإن كانت الأيادي لن تتصافح والرقاب لن تتعانق في هذا العيد، فإن بسمة وجوهنا وطلاقة مُحيّانا ستُشرق في كل وسائل تواصلنا.. وإن كنا لن نتزاور في هذا العيد ولن نقدر على صلة أرحامنا بالتنقل إليهم، فإن هواتفنا لن يتوقف رنينها عندهم في بيوتهم مهما تباعدت، وسنكون بينهم وسنُهنئهم بالعيد وندعو لهم بالقبول وإن ارتفعت أسعار المكالمات وأفرغت بطاقات الشحن والتعبئة من مختلف شركات الاتصال.. وستبقى الحلوى تُزيّن موائد عيدنا توسعة على عيالنا، وتظل بهجة أولادنا متميزة يوم عيدنا وستغمر بيوتنا فرحة العيد بما وفقنا الله تعالى إليه من صيام وقيام وذكر وصدقات وزكاة، تعظيما لشعيرة العيد ((ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)). صح رمضانكم.. وصح عيدكم.. وتقبل الله منا ومنكم.. وأعاده الله علينا وقد تعافت أمتنا وقويت واستعادت وظيفتها الحضارية في الشهادة على الناس.. اللهم آمين.