قال الكاتب والمخرج المسرحي محمد شرشال، إن توجّهه لإنجاز مسرحيات صامتة مردّه الهروب من الثرثرة التي عمّت المسرحيات الجزائرية، وكذا إيصال الفن الرابع الجزائري إلى العالمية، في حين تناول الأستاذ حبيب بوخليفة تاريخ نشأة المسرح الصامت، منوّها بتجربة شرشال الفريدة من نوعها في هذا التخصّص. نشّط المسرحيان محمد شرشال وحبيب بوخليفة الندوة الثانية للمهرجان الوطني للمسرح المحترف المقام حاليا بالمسرح الوطني الجزائري. وفي هذا قال شرشال إنّه استغنى طواعية عن المسرح الثرثار. واتّخذ خيارا متطرّفا، تَمثل في إنجاز مسرحيات صامتة، بعد أن لاحظ سقوط الفن الرابع في الثرثرة، والإسهال اللفظي، والشعارات، خاصة بعد العشرية السوداء، بل يعيش حاليا، أسوأ مراحله، مضيفا أنّه فقد المتعة، وأصبح مملا فعلا. كما أصبح أشخاص غير متمكنين يكتبون في المسرح، وصار لديهم "سلطة الكاتب الرديء". وتابع أنه لأجل هذا قرّر أن يخوض تجربة غير معتادة؛ من خلال قتل الكاتب، والتوجّه، فورا، نحو مسرح الفعل، معتبرا أنّ المسرح فن جماعي، وأنه أعاد للممثل فضاءه الإبداعي، بل أشركه مثلما أشرك كلّ عناصر المسرحية في العرض؛ من خلال تشجيعهم على تقديم ملاحظاتهم واقتراحاتهم حول مشروع المسرحية، الذي يختتم بالكاتب ولا يبدأ به. وقال شرشال إن كتابة نص درامي ليس بالسهل أبدا، لكنّه يتحدث هنا عن النصوص التي تطغى عليها الثرثرة، مؤكدا حاجة المسرح الصامت لفريق متمكن ومتكامل، ومضيفا أنه احتفظ بالعناصر الثلاثة للفعل المسرحي، وهي البسيكولوجي، والفيزيائي، والميكانيكي، وتخلى عن العنصر اللفظي. وركّز أيضا على كيفية إعطاء المعلومة للجمهور؛ من خلال الحركة، ونزع اللغة المنطوقة، واستبدالها باللغة المرئية. كما أشار إلى اشتغاله على مسرح لم يتعوّد عليه الجمهور الجزائري وحتى العربي، إلاّ أنه قرر تقديمه، والعمل على عولمته مثل الموسيقى، ليصبح فنا ممتعا، ينتقل دون عائق الزمان والمكان، ليؤكّد أنه ليس ضدّ المسرح المتعارَف عليه، ولا ضد الكاتب؛ فهو يعترف بكتابات تشيخوف وشكسبير ويونسكو، إلاّ أن توجّهه إلى المسرح الصامت قرار، والجمهور الذي أصبح يحضر مسرحياته يعلم أنّها صامتة. من جهته، تحدّث الأستاذ المسرحي حبيب بوخليفة عن نشأة المسرح الصامت وتطوّره عبر الزمن، فقال إنّ كل الدراسات الأنثروبولوجية تؤكد أسبقية الصمت والحركة على الكلمة، مضيفا أن التعبير الجسدي والإيمائي ظهر عند اليونان، وعرف تطوّرا أكبر عند الرومان الذين لم يكن لديهم كثير من المؤلفين في المسرح، بينما تعرّض للاضطهاد من طرف الكنيسة في القرون الوسطى إلى غاية القرن السادس عشر؛ حيث ظهرت فرق تعتمد على الإيماء، تقدم عروضها في فضاءات مفتوحة. أما عن المسرح الصامت، فقد ظهر، حسب بوخليفة، في منتصف القرن التاسع عشر بأوروبا، ولم يكن عرضا متكاملا، لتكتمل عناصره في القرن العشرين، ويخترق الزمان والمكان، ومن ثم يتطور في التسعينات، خاصة في روسيا بفضل السينما الصامتة، بينما عرفت الدول العربية ظهور تجارب لم تكتمل، ليأتي المخرج محمد شرشال، ويقدّم عروضا صامتة مثل مسرحية "جي. بي. أس". وأضاف أن المسرح الصامت يجب أن يتوفر فيه مثل نظيره الناطق، تعبير للحالات الإنسانية وعواطفه، مؤكدا تطوّر المسرح الصامت في زمن العولمة؛ باعتباره صامتاً، وبالتالي يفهمه الجميع.