أصبح الجزائريون ينامون على جريمة قتل ويستيقظون على أخرى، فسلسلة من الجرائم باتت تستهدف كل الفئات وتهدد الأسرة في عقر دارها.. خوف من وباء كورونا، وخوف أكبر من الجريمة، فهاجس القتل والاعتداءات هيمن على حديث ومخاوف الجزائريين، خاصة بعد انتشار مخيف لأخبار القتل التي طغت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي، ما استدعى منا الوقوف على دوافع وأسباب هذه الجرائم خاصة في عز انتشار وباء كورونا.. 15 جريمة قتل خلال أسبوع واحد شهدها شهر جويلية المنقضي، كان أبشعها جريمة ارتكبها شرطي قتل زوجته الحامل ووالديها وشقيقها، وشرطي آخر قتل طليقته، وفتاة قتلت عشيقها ، ناهيك عن عصابات السرقة التي باتت تقتل لتسرق وأبناء يقتلون من اجل الميراث وجار قتل جاره لشجار بين الأطفال وشاب قتل أمه بسبب المخدرات.. كانت جرائم مروعة اهتز لها الرأي العام وشغلت الجزائريين بالحديث عنها أكثر من الفيروس الذي قلب موازين العالم. واستمرت سلسلة الجرائم لتسجل حوادث قتل أخرى خلال شهر أوت الجاري، أكثر بشاعة وبطرق جديدة في التنكيل والتفنن في قتل الضحية، على غرار الجريمة التي اهتزت لها ولاية وادي سوف بداية الشهر الجاري على إثر جريمة قتل راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر يدعى خالد ارتكبتها فتاة تنحدر من ولاية تبسة بمساعدة صديقتها وصديقهما، أين تعرض الضحية لعدة طعنات بالسيف على مستوى رقبته ورأسه وتم خلالها ذبح وتقطيع للجثة والتنكيل بها،الضحية لم يتوفى في عين المكان، وظل ينزف دمه وتوفي في المستشفى بسبب فقدانه كميات كبيرة من الدم. وقد فتحت مصالح الأمن تحقيقا في الجريمة لتحديد المتهمين وملابسات الحادثة المروعة. جريمة هيتشكوكية أخرى اهتزت لها ليلة أول أمس مدينة شلغوم العيد في ميلة على وقع جريمة قتل شنعاء راح ضحيتها شاب في العشرينات من عمره على يد شقيقته، أين أقدمت فتاة تبلغ من العمر 22 سنة على قتل شقيقها البالغ من العمر حوالي 25 عاما داخل المسكن العائلي، بواسطة سكين حيث وجهت له 29 طعنة قاتلة وتركته يسبح في دمائه، وبولاية سطيف أقدم كهل على قتل جاره بطلقة نارية نهاية الأسبوع الماضي بعد خلاف بسبب قطعة أرض. هل هو ثقل الحجر المنزلي؟ ودق مختصون ناقوس الخطر وتوقعوا حسب قراءاتهم الأولى لمؤشرات الجريمة، أن المجتمع الجزائري يتجه نحو الانفجار النفسي للأفراد، ونحو مرض الخبل وجنون جماعي أشبه بالتمرد على الضوابط والحدود الأخلاقية والقوانين، وهذا يظهر جليا تأثيره على الشارع الذي يشهد استياء شعبي وخوف على الممتلكات والنفوس وفقدان الثقة في بين العلاقات الأسرية والأقارب والجيران. انتشار جرائم القتل من مخلفات اليأس وضغوط كورونا وقال الخبير الدولي في محاربة الآفات الاجتماعية، الدكتور ناصر ديب، إن الشارع الجزائري يعيش حالة اللاأمن، وأن الجريمة تتجه نحو التفاقم، بشكل رهيب، حيث تعتبر الهجرة الغير شرعية نحو الدول الأوربية في عز وباء كورونا، إحدى أوجه الياس القاتل للشباب، والوصول إلى قمة فقدان الثقة. ويرى المتحدث أن الفراغ النفسي والحاجة والبطالة التي زادت من حدتها أزمة كورونا ، أصبح ثقل كبير لم تستطع تحمله بعض النفوس، وحمل مصدرنا المسؤولين المحليين بينهم الاميار، مسؤولية زيادة هذا الثقل بعدم الاستماع إلى انشغالات الشباب. وقال ديب، إن جرائم القتل هي صورة لحجم الضغوط الاجتماعية والتي زادت حدتها خلال الحجر المنزلي، وهي تقع في الغالب على عاتق الرجل الذي يملك أسرة وأولاد، والذي يصيب بالانهيار في عال عجزه عن تسيير شؤون أسرته. وأكد الخبير الدولي في الآفات الاجتماعية، ناصر ديب ، أن ما يقع اليوم في الشارع الجزائري وداخل الأسرة من جرائم، هو تراكمات سابقة لمشاكل لم تحل ولم تهتم بها الجهات المسؤولة، فالمخدرات بدأت كحالة شاذة وأصبحت ظاهرة، والحرقة كانت تخص فئة محددة وأصبحت تشمل الكهول والنساء والأطفال، والكثير من الآفات غض عليها الطرف وباتت اليوم ظواهر وهذا بسبب تجاهل الحلول وتخلي الجهات المحلية ن دورها المنوط لها. وأوضح ذات الخبير أن الاستماع اليوم إلى الشباب والتكفل الجيد بهم، وإعادة الثقة لهؤلاء بإعطائهم الدور في المجتمع هو من أكثر الحلول فاعلية وواقعية. انتشار مخيف للأمراض النفسية والعقلية وبدوره أكد المختص في علم النفس الدكتور مسعود بن حليمة، إن كورونا والإجراءات المتخذة للوقاية منها، أحدثت فراغا نفسيا رهيبا وأثرت سلبا على فئة كانت تعيش من قوت يومها، وفئة أخرى تحملت مسؤولية كبيرة وعاشت ضغطا بين الوقاية من العدوى وأداء المهمة مثل الأطباء ورجال الشرطة، والدرك والحماية المدنية، وهذا كله سوف يخلق فيما بعد سلوكات مرهقة من الضغط، في حال عدم التكفل النفسي الجيد بهذه الفئة. لكن يبقى حسب بن حليمة، دائما الجانب الاقتصادي، والمالي سببا مباشرا لحالة الانهيارات النفسية وارتكاب الجرائم، فعندما يعجز المواطن عن حل مشكله المتعلقة بتلبية الضروريات يصاب بنوع من الخبل والجنون، ناهيك حسبه عن تعاطي المخدرات التي يلجأ إليها الشباب البطال، أو الذي يواجه أزمات اجتماعية. وأشار في هذا الموضوع، إلى وجود حالة نفسية تنامت في ظل مخلفات أزمة كورونا وتأثيرها على الجانب المعيشي سواء المادي أو النمطي والنفسي من خلال الضغط وغياب الترويح عن النفس وحرمان فئة من حياة خاصة كانوا يتمتعون بها، حيث انتشرت الأمراض النفسية كالخبل والدهان المزمن والانفصام، وهي أمراض شبه جماعية. سجون لا تؤدي دورها وقانون بلا ردع وتزامن تزايد جرائم القتل البشعة مع الظرف الاستثنائي، والحجر المنزلي بسبب كورونا، وخروج 20الف سجين استفادوا من العفو الرئاسي، واتساع رقعة الفقر وظهور عصابات السرقة بين مسبوقين قضائيا ومنحرفين جدد، حيث أكد لأستاذ ابراهيم بهلولي، أستاذ القانون بكلية الحقوق بن عكنون، أن الردع هو المشكل المطروح في ظل وجود ترسانة القوانين، وإن التساهل والتسامح مع المجرم، وإعطائه المبررات في الكثير من الأحيان، وراء زيادة الجريمة، مع وجود الأسباب الأخرى سابقة الذكر،ودعا إلى التركيز على جانب التأهيل وتكوين المساجين ودمجهم في الحياة العملية بعد خروجهم. وقال بهلولي أن عدم التساهل مع المجرمين وتطبيق القانون الصارم ضد مرتكب الجريمة، قد يلعب دورا مهما في الحد منها في المجتمع. وفِي السياق، حذر المحامي عمار حمديني، من رفض إدماج المسبوق قضائيا في الشغل والمهن، حيث إنه بمجرد أن يعيش المسبوق قضائيا فكرة أنه منبوذ في المجتمع وغير مقبول في مؤسسات العمل، فإنه لم يقلع عن الجريمة وقد يطور ذلك ليشكل عصابات تكون أخطر على المجتمع.