أخبار السرقة والحراڤة الغرقى منهم والمفقودون والناجون أصبحت غذاء يوميا للصحف المحلية والأوروبية، ولم يعد يمر يوم واحد دون أن نسمع عن توقيف العشرات من هؤلاء الفارين من الجحيم إلى الجحيم وعشرات الغرقى منهم وعشرات المفقودين وقليل من الناجين الذين يمرون إلى الضفة الأخرى، حيث تنتظرهم السجون والمحتشدات والمعاملات اللاإنسانية. الملاحظون والمتتبعون لهذه الظاهرة المأساوية يحاولون قدر المستطاع الوقوف على أسبابها وعواملها من مختلف الجوانب سواء الاقتصادية أو السياسية أو النفسية، لكنهم لم ينتبهوا حتى الآن إلى أن العنصر الأساسي واللافت فيها هو انتماء جميع الحراڤة والذين يحاولون الحرڤة، ومن دون استثناءات هامة، إلى المستعمرات الفرنسية القديمة في افريقيا، ولعل هذا ما يفسر أن الإنسان الإفريقي في هذه الدول يعاني أكثر من غيره من بعض الأنظمة السياسية والعسكرية التي تركتها فرنسا في هذه القارة وتواصل العمل على حفظها وحمايتها من السقوط دون اعتبار لما يعانيه منها المواطن ليس في المجال الاقتصادي والمعيشي فحسب، لكن وبوطأة أكثر في مجال الكرامة الإنسانية المهدورة والحقوق الأساسية المصادرة والحريات الدنيا المسلوبة، مما يجعلهم يفضلون ركوب أخطار البحر والموت غرقا، كما أشارت إلى ذلك الكثير من الرسائل التي يبعثها الحراڤة عبر القارورات في لحظات اليأس، على العيش في أجواء الإهانة والحڤرة السائدة، ولهذا أثبتت التحقيقات التي تجري مع الحراڤة الذين يفشلون في الحرڤة وينتشلون من البحر أو يقبض عليهم قبل امتطاء الزوارق أن هؤلاء لا ينتمون فقط إلى فئات البطالين واليائسين من العمل في بلدانهم، لكن منهم التاجر الميسور والموظف المستقر والطالب الناجح، وحتى الإطار الذي لا يخشى البطالة أو يخاف على المستقبل المهني، كما أثبتت ذلك نتائج التحقيقات التي أجرتها مصالح الأمن الجزائرية مع جيش الحراڤة الجزائريين الذين تم القبض عليهم يوم الثلاثاء الأخير بعين تيموشنت. لقد بدأت ظاهرة الحرڤة والهروب بأي ثمن في التفشي والانتشار شيئا فشيئا وأصبح كل من يملك ذرة من الكرامة لا يتمنى غير المغادرة والهروب، بعد أن عم اليأس ولم يعد هناك أمل في التخلص بأي طريقة من هذه الأنظمة، خاصة منذ قام الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتيران في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بوضع ميكانيزمات محكمة لصيانة الأنظمة التي أقامتها فرنسا على مستعمراتها السابقة - اللاحقة وحمايتها من الزوال تحت لواء مصطلح "الحكم الراشد" الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ظاهره تطوير وعصرنة هذه الأنظمة، وباطنه إعادة رسكلتها مما يساير تطور المصالح الفرنسية في هذه البقعة من الأرض مع ما يتبع ذلك من إغراق لشعوبها في الظلام والتأخر وإهدار الكرامة، وتسخير مواردها المادية والبشرية لخدمة مصالح المستعمر القديم الجديد. وعندما يأتي الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي اليوم، باقتراح تعاون متوسطي، فإنما ليجعل من بلدان المغرب العربي أو شمال افريقيا درعا لمواجهة مد الهجرة السرية أو غير الشرعية التي أصبحت معروفة بالحرڤة في قاموس الجزائريين، وليطلب من الأنظمة الموالية له دفع مقابل قيام الدولة الفرنسية على صيانة وحماية هذه الأنظمة، مع ما قد ينجر عن ذلك من تصاعد للقمع وإقامة للڤيتوهات العنصرية. سالم زواوي