أجمع عديد المختصين أن الأمراض النفسية والروحية تشهد انتشارا مخيفا في الجزائر، خاصة بعد جائحة كورونا التي أفقرت الكثير من المواطنين وأفقدتهم وظائفهم ومصادر دخلهم، وأدخلتهم في عزلة وانطوائية غير مسبوقة، ليبدأ المرضى في رحلة علاج وتيه بين الرقاة والمشعوذين والنفسانيين. "الشروق" تحدثت مع بعض المختصين في علم النفس والرقية والعلاج التقليدي والذين تحدثوا عن واقع علاج الأمراض النفسية والروحية في الجزائر والتي تعرف انتشارا غير مسبوق ما جعل المتاجرة بمآسي الجزائريين مصدر ثراء عديد المشعوذين وضعاف النفوس.. اعتبر البروفيسور في علم النّفس، أحمد قوراية في تصريح ل "الشروق"، بأنه ينبغي الاعتراف بانتشار الأمراض النفسية والروحية في المجتمع الجزائري وبشدّة، وذلك راجع لأسباب عديدة، أهمّها المشاكل النفسية والاجتماعيّة، عدم التمكن من تحقيق الذات وعدم الرضا على الوضع الحالي المعيشي. وقال "الفرد كثيرا ما يتعرض لصدمة عاطفية أو نفسية أو لموقف عصيب، على غرار وفاة شخص عزيز، أو طلاق، أو التعرض لحادث خطير، وهذه الواقعة تغير له عدة أمور في حياته المعتادة، فيصاب أولا بالاكتئاب واليأس، وتتطور حالته ليعيش اضطرابات نفسية حادة، خاصة إذا رفض زيارة الطبيب النفسي، والذي يُعتبر ضرورة قصوى لخروجه من الأزمة النفسية". المريض يعيش تيها بين الطبيب النفسي والرقاة والشعوذة وحسبه، قد يصاب الشخص بمرض نفسي مرتكز على البعد الروحي، المستمد من ثقافتنا وتقاليدنا كالخلعة أو المس الجني أو بما يعرف لدى البعض بأنه مسحور، وتظهر عليه أعراض، على غرار النفور من العمل، تدهور وضعه الاجتماعي، فيصبح مستسلما لمرضه الروحي نفسيا، "وهنا يعيش هذا الشخص حالة تيه بين المعالج والراقي والمشعوذ، لأنه مبرمج نفسيا من خلال المجتمع الذي يعيش فيه، على تقبل مثل هذه الأمور، عكس الفرد الاوروبي الذي يركز في علاجه على الطب النفسي". ويرى قوراية، أن اقتناع الشخص بأن مرضه روحيا وليس نفسيا "يزيده يقينا بأنه مصاب بسحر، بعدما يبعث عقله رسائل نفسية للمخ، ويدخل في الكآبة والحزن السوداوي، ويعتزل الناس وينطوي على نفسه، ويدخل مرحلة خطيرة في تفكيره، قاطعا الأمل من العلاج، والنهاية قد تكون الإنتحار". أعراض الأمراض النفسية والرّوحية تتشابه واعتبر، بأن الأمراض النفسية كالاكتئاب والوسواس القهري ونوبات الهلع اختلط مفهومها مع الأمراض الروحية كالمس الجني، والتعرض للسحر والإصابة بالعين، واختلاط المفاهيم بعضها "زاد من حدتها المرضية، وساهم في انتشار أشخاص نصبوا أنفسهم شيوخا ومحاربين للجن، ولجميع أمراض الروح، بل نسبوا لأنفسهم ما ليس لهم، والنتيجة كثرة الدجل والاستغلال والاحتيال". وينصح محدثنا، جميع الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات المرض النفسي، خاصة الاكتئاب والحزن بلا سبب والخوف من المجهول، والعزلة عن المجتمع.. بضرورة زيارة الطبيب النفسي أولا، ليساعده على استرجاع الإرادة النفسية والقوة للحفاظ على توازنه النفسي والعقلي. الأمراض الروحية يعالجها رقاة وليس مشعوذون وحسبه، قد يطول العلاج عند البعض، وقد يقصر لدى آخرين، كل حسب حالته النفسية، ومداومته على العلاج. "مع أنه قبل الشروع في أي علاج، يجب التفريق بين المرض النفسي والروحي، بالنسبة للأعراض والتي تتشابه حد التطابق، ويمكننا الوصول لحقيقة كل مرض، عن طريق القران الكريم، لأن المصاب بسحر ومسّ جني يتأثر عند تلاوة القران عليه". وختم مؤكدا، بأن الطب النفسي الإسلامي، يؤمن بوجود أمراض روحية، يعالجها رقاة شرعيون وليس مشعوذون، أو يعالج الشخص نفسه، بالتقرب أكثر من الله عز وجل وبالصدقات، في وقت يرفض الطب النفسي الغربي هذه الفكرة، لإيمانه بفكرة "علمانية" علم النفس. مراكز العلاج التقليدي.. وجهة جديدة لعلاج الأمراض النفسية بعيدا عن الأطباء النفسانيين والرقاة، يجد بعض المرضى العلاج لأمراضهم النفسية والروحية، على يد مُعالجين متخصصين في التدليك والحجامة الجافة والإبر الصينية، وهو ما جعل عدد مراكز العلاج الطبيعي تنتشر وبشكل لافت مؤخرا، عبر مختلف ولايات الوطن، ويُسيرها أشخاص حاصلون على ليسانس في التدريب الرياضي أو التأهيل، أو مكونون في التدليك و"المساج" والإبر الصينية. وتتعاون هذه المراكز غالبا، مع أطباء نفسانيين، لعلاج بعض الحالات المستعصية، وغالبيتها تخصّ مراهقين وشباب. إدمان المخدرات أدخل شبابنا في أمراض نفسية ووساوس خطيرة وفي هذا الشّأن، كشف لنا المختص في العلاج بالتدليك والإبر الصينية عيسى دوايبية، وهو مُعالج للخلعة ولبعض الحالات النفسية المرتبطة بالوسواس القهري، ويعمل بمركز الشاوي للعلاج بالدلك بمدينة القليعة، بأن حالات الإصابة بالخلعة ونوبات الهلع، ازدادت بشكل كبير منذ جائحة كورونا، والدليل كثرة المرضى المُترددين على المركز للعلاج، ومن الجنسين، وانطلاقا من سن 16 حتى 60 سنة. ويستقبل المركز حالات لمرضى، عجز الأطباء عن تشخيص أمراضهم، وتظهر عليهم أعراض كثيرة ومقلقة، أهمّها ألام البطن والرأس والدوخة والرعشة والتعرق، وعدم الاتزان، انتفاخ القولون حتى مع معدة فارغة. وجميعها أعراض مزمنة ويومية، ويقول عنها محدثنا "هي أعراض جسدية تظهر على المصابين بالخلعة ونوبات الهلع والاكتئاب، زيادة على معاناتهم من أعراض نفسية كثيرة، وأهمها الوسواس القهري، وسواس الموت، الرهاب الاجتماعي، رهاب الأماكن المغلقة والعالية، الخوف من السفر، القولون العصبي وسواس المرض ووسواس النظافة وعدم النظافة، الخوف من الماء". أطفال يصابون بنوبات الهلع بسبب ألعاب الهواتف وعدّد المعالج، أسباب انتشار الخلعة والاكتئاب في مجتمعنا، فأكد أن كثيرا من الأطفال باتوا عرضة لنوبات الهلع، بسبب إدمانهم على ألعاب الهواتف الذكية، فالطفل يكون مستغرقا في اللعب، فتنقطع الإنترنت فجأة أو ينفد رصيده، فيصاب بقلق شديد، ومع تراكم القلق يصاب لاحقا بالهلع والخوف.أما غالبية المراهقين والشباب فسبب أمراضهم النفسية هي تناول المخدرات وإدمان الأدوية المهلوسة من دون وصفة طبية، والتي تدخلهم في عالم من الوساوس والخوف والخلعة والضعف الجنسي والخبّاط، وهؤلاء يتم معالجتهم في المركز، ولكن بالتعاون مع طبيبة نفسانية. تأخر الزواج وسن اليأس والعقم تهدّد النساء بأمراض نفسية أما غالبية النساء المصابات بحالات نفسية، فمنهن من تأثرت بفترة سن اليأس، وأخرى تعقدت من نظرة المجتمع السلبية لعدم زواجها، ومنهن العاقرات والمطلقات، ومن تعرضن لصدمات بسبب مواقف عصيبة مررن بها. وأكد، بأن إدمان رؤية الأفلام الجنسية واستعمال الهواتف الذكية، يؤثر لاحقا على الصحة النفسية والعقلية للشخص. كما ولدت جائحة كورونا خوفا كبيرا في نفوس كثيرين، تطوّر مع الوقت ليتحوّل إلى نوبة هلع خطيرة. والحالات النفسية المستعصية التي تقصد المركز، حسب محدثنا، يتم توجيهها لطبيبة في الأمراض النفسانية والعصبية متواجدة بالعاصمة، والتي تصف لهم علاجا قصير المدى، ويواصل المركز علاجهم لاحقا بالحجامة الجافة والتدليك، مع ضرورة إجراء لهم تحاليل لبعض الفيتامينات المهمة على غرار فيتامين "د" والمغنيزيوم، المهمّين للتوازن النفسي. السحر .. آفة تهدّد المجتمع الجزائري ومن أكثر مسببات الأمراض النفسية والروحية وحتى العضوية حسب المختصين السحر والذي تحوّل إلى هاجس يتخوف منه كثيرون، في ظل انتشار السحرة وأصحاب النفوس المريضة والخبيثة في المجتمع، مع ظهور أمراض عُضوية لم يجد لها الطب تفسيرا. كما تسبّبت جائحة كورونا في ظهور بعض الأمراض النفسية والروحية، على غرار الخلعة والاكتئاب والوسواس القهري. وللأسف ينفر غالبية المرضى من الطبيب النفسي، بسبب النظرة الخاطئة المأخوذة عنه في المجتمع. كل هذا جعل نشاط الرقاة، يتضاعف، لدرجة صار التزاحم على منازل الرقاة، أكثر مما كان على عيادات الأطباء. النساء "المسحورات" أكثر الفئات زيارة للرقاة في الموضوع تحدثنا، مع الراقي المعروف بعلاج مختلف أنواع الخلعة والوساوس وبعض الأمراض الروحية، محمد الجزائري، المنحدر من ولاية تلمسان، والأخير يتنقل بين مختلف ولايات الوطن لعلاج مرضاه، كما يقدم لهم عبر صفحته على الفايسبوك، نصائح وتدابير للخروج والتغلب على بعض الأمراض النفسية، مأخوذة من الكتاب والسنة. سألنا الشيخ، عن أكثر الفئات التي تزوره بحثا عن العلاج مؤخرا، فأكّد لنا، أن النسبة الغالبة هي النساء ثم الرجال، وغالبية زائريه يٌعانون من أعراض سحر، على حدّ قوله. وأكّد الراقي، أن بعض الأمراض لا يجد لها الطب تفسيرا، وتظهر فيها جميع تحاليل المريض سليمة، وهذه "في الأصل أمراض روحية سببها سحر مأكول أو عين أو حسد..". وقال إن السحر المأكول والسحر المدفون وسحر الربط والعين والحسد، من أخطر الأسحار المسببة للأمراض، لأن مفعولها يستمر على المدى الطويل . "الخلعة" إذا لم تُشف نفسيا فهي سحر مأكول فيما اعتبر مرض الخلعة، والذي بات منتشرا وبكثرة في مجتمعنا، حيث يتيه صاحبه بين الأطباء المختصين في الأمراض الباطنية والمختصين النفسانيين، والرقاة، أن أصلها سحر، موضحا "اذا لم يشف المريض على يد طبيب نفسي، بعدما تعرض لصدمة نفسية شديدة أثرت عليه..فأؤكد هنا بأن الخلعة أو نوبات الهلع التي يعاني منها مصدرها سحر مأكول، وهو من أخبث الأسحار وأكثرها شرا في جسم الإنسان" . أما مرض الوسواس والوسواس القهري، فيفسر شرعا، بأنه اسم الشيطان الذي يقوم بالوسوسة في صدر الانسان ويدخله في متاهات العزلة والوحدة والنفور من الحياة، ويصل به حد الانتحار .أما الاكتئاب فهو عارض من أعراض الوسواس مثله مثل الطاقة السلبية في حياة الإنسان، وقد يشفى منه الشخص بأدوية نفسية وعصبية، وقد لا يشفى إلا باتخاذ عزيمة وإرادة قويتين، والتقرب أكثر من الله عز وجل وكثرة الدعاء وقراءة القرآن. والشخص الذي لا يرضى بقضاء الله وقدره ومشيئته، حسبه، يصبح لقمة سائغة للشيطان وللمشعوذين. سحر المقابر يُفك حتى دون استخراجه وإتلافه وبخصوص إمكانية التخلص من السحر المدفون في المقابر، فأجاب "نعم يفك سحر المقابر بإذن الله، ودون الذهاب إلى المقبرة واستخراج السحر مثلما يعتقد البعض، لأن كل الأسحار يبطلها الله عز وجل، حين تتوفر النية الصادقة بأن الشفاء بيد الله وحده وفي القرآن الكريم، وعلى يد راق شرعي". وأكد أن أغلب الحالات المسحورة التي عالجها، أو حتى تلك التي قامت بسحر للغير وانقلب عليها مفعوله، الدافع إليها، هو الابتعاد عن الله عز وجل، وعدم الرضا بالقضاء والقدر، ونقص الايمان وانتشار أمراض الغيرة والحسد والتسرع في قضاء حوائج الدنيا، وعدم القناعة… كلها أسباب ترمي بالإنسان في أيدي السحرة والدجالين والمشعوذين. الراقي الذي يطلب اسمك واسم والدتك دجّال وحسبه، أي راق يطلب اسم الأم أو الصورة أو تاريخ الميلاد، عبر فايسبوك "فهو مشعوذ وليس براق، لأن الرّقية لا تحتاج إلى أسماء، وكما لا توجد رقية عن بعد أو رُقية عن طريق البث المباشر، إذ من شروط الرقية الحضور الجسدي للمريض، وكثير من الرقاة زاغوا عن طريق الحق وصاروا يعبثون في أجساد وأموال المرضى" . وكما يوجد، سحر الأصوات عبر الهواتف، ولكنه سحر ضعيف لا يؤثر كثيرا على الإنسان، خاصة إذا كان مواظبا على صلواته وقارئا متدبرا للقرآن وكثير الصدقات، ونبه محدثنا إلى فضل الصدقة العظيم في رفع الأذى والابتلاءات، وحتى أنها ترفع ظلم الشياطين والسحرة. لا وجود لرقية عن بُعد وبائعو الزيوت والأعشاب المرقية مجرد تجار وشدّد محدثنا على المرضى، بأن الرقية لا تشترط فقط من طرف راق أو شخص معين، لأنها في أصلها عبارة عن قراءة القرآن والأدعية على المريض، والشفاء يكون بيد الله عز وجل، وقال "ما نشهده اليوم من تجارة للزيوت والأعشاب والحجامة خاصة للنساء، وكثرة القنوات المرئية المتخصصة في الرقية، هي أمور تفسد نية المريض، والمؤسف أن بعض المرضى يعتقدون أن لهذه الزيوت والعقدات علاقة بالجانب الروحاني، رغم أنها في الأصل تجارة فقط. دون الحديث عن اللجوء لاستعمال الحجامة لجميع المرضى، أو ضربهم، فحتى ولو كان ضربا خفيفا، فهذه ليست رقية".