أ.د/ أوصديق فوزي [email protected] السنغال نموذج للتعايش بين مختلف الديانات والعرقيات واللغات.. فهو فسيفساء للتعايش والتسامح ولعل ذلك ما يمكن ملاحظته على المستوى الرسمي أو الشعبي، فعلى المستوى الرسمي كان رئيس السنغال السابق والتي يبلغ تعداد المسلمين فيه في حدود 95% الرئيس ليبود سانعوز مسيحياً؛ وهذا مؤشر لهذا التسامح أما الرئيس الحالي السيد عبد الضيوف فهو مسلم متزوج بالفرنسية السيدة ففيان ضيوف، والتي جمعتنا بها جلسة مطولة بحكم ترأسها لجمعية " تنمية وتربية " التي عملت وتعمل الكثير من أجل السنغال، فرغم أنها مسيحية لاحظت في مكاتبها أنها تعلق في إحدى جدرانها صورة لشيخ الطريقة التيجانية كرمز لمباركة أعمالها، التي تتحكم في مفاصيل الحكم بالسنغال، فمباركتهم شرط ضروري غير معلن لكل مترشح لأي وظيفة انتخابية إلى جانب الطريقة الموريدية التي لها تأثير أيضاً في الحياة اليومية للسنغاليين، وهكذا ما تلاحظه في دكار اثناء تجوالك من خلال البوسترات المعلقة في المحلات، سيارات الأجرة، الأماكن الرسمية تشير إلى البعد الطرقي والعمق الديني للمجتمع السنغالي. كما كانت لنا زيارات عديدة إلى جزيرة قوري المصنفة عالمياً كإرث للبشرية جمعاء؛ أين كانت ترسل منها قوافل العبيد إلى أمريكا، ففي إحدى الزيارات وأثناء تلقينا شرحا عن هذا المعلم التاريخي، شد انتباهي أن المرشد السياحي قال أن قداسة البابا الثاني قدم اعتذارا بإسم المسيحيين، وأن اليهود لهم معلم أيضا .. لذلك تسألت لماذا لايوجد كذلك شيئ يوحي بالقيم السامية للحضارة الإسلامية.. وقدمت هذه الفكرة للأمين العام للهلال الأحمر القطري آنذاك الذي لم يتردد في تجسيدها.. وبدأنا في تكثيف المساعدات تجاه الصليب الأحمر السنغالي انتهت في آخر المطاف بنصب لوحة في الجزيرة أمام المسجد العتيق فيه الآية الكريمة:" يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفو ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير " بالعربية ومترجمة للفرنسية ما يوحي أن الحضارة الإسلامية لم تأت للإستعباد والرق بقدر ما جاءت لذوبان الفوارق الإجتماعية والاثنية وأعتبر هذا الإنجاز.. من أهم الإنجازات التي يفتخر بها السنغال... كما أن المسجد الجامع الموجد قد يحتاج إلى ترميم .. وذلك ما سنسعى إليه مستقبلاً والخير ما زال في أمتي إلى قيام الساعة.. فأين أنت يا ساعي الخير؟!! كما أنه لا ننسى أن السنغال قد مر بحرب أهلية صعبة وقاسية في جنوبه بمنطقة " الكزاموس " وذلك بزرع العديد من الألغام التي تحصد إلى يومنا العديد من المدنيين... وأمام إحساسي بمآسات ما يعاني أو عانت منه الجزائر ابان الإستعمار الفرنسي نتيجة هذه المآسات، حاولنا كذلك أن نقدم مساعدة لإعمار هذه المنطقة ونزع الألغام فيها وهو أحد المحاور الأساسية وذات الأهمية بالنسبة للرئيس عبد الله واد مجسد في برنامجه الحكومي وذلك ما حاولنا القيام به من خلال المنتدى الإسلامي للقانون الدولي الإنساني. كما أنه أثناء تجولك في دكار قد تلاحظ فئة من الأفراد تسمى " بالطاليبى " أي طلاب المدارس القرآنية، إلا أنه للأسف الشديد قد يستغلون باسم أقدس كتاب وهو تحفيظ القرآن في أعمال السخرية، وطلب الصدقات التي قد يعاد ريعها لشيوخهم، كرسم نتيجة تدرسيهم وأيوائهم وهي صور سوداء بقيت عالقة في اذهاننا. لذلك حاولت أثناء القيام بنشاطاتي الإنسانية مع الصليب الأحمر السنغالي التركيز على التعليم والتربية والأخص هذه المؤسسة التي تزخر بالعديد من الروضات والمدارس التي أعتبرها أكبر إنجاز حققه الصليب الأحمر السنغالي منذ قيامه إلى يومنا من خلال تثمين العلم واعداد رجال المستقبل. كما أنه من بعض المفارقات في هذا السياق أن سفير السنغال بالدوحة؛ قد ألح علي أثناء إحدى الزيارات لزيارة قريته بمدينة " تياس " وتقديم بعض المساعدات البسيطة بحكم مسقط رأسه وعميد سابق للمدينة.. وقد لبيت له هذا الطلب لأنه في العرف والتقاليد الأفريقية عدم مجيئك أو تلبية الزيارة، قد ينظر له من الجانب السلبي كما أنه بمجرد تكريميك بزيارة قريته هو نوع من التقدير والإحترام والاعتزاز؛ فالعقليات الأفريقية قد تتقاسم ببعض العادات والتقاليد العربية والإسلامية، ومما زاد هذا التقاسم هو تغلغل الطرق الصوفية في البلاد في مختلف مناحيه، لذلك الحكمة كانت تقتضي من أن أزور الخليفة العامة في مسقط رأسه حتى أجلب البركات، وتكون نوع من بطاقة مرور لتسهيل مهامي الإنسانية أثناء تعاملي مع الإدارة والرسمين. فالسنغال أعتبره من البلدان التي جسدت التعايش السلمي بين مختلف الديانات، والعرقيات واللهجات، فق نجد في نفس العائلة يوجد مسيحين ومسلمين دون عقده أو حرج. كما أن السنغال معرض للعديد من المخاطر الإنسانية، جراد، فقر، سوء تغذية، تصحر زاحف، لذلك حسب إعتقادي يجب أن تتوصل الجهود في هذا البلد من حيث بناء القدرات الذاتية، لأن الإمكانيات البشرية والعلمية متوفرة؛ باقي فقط من يفعلها؛ ويشد بها من خلال إعطاء الدفعة الأولى ثم الأمور ستسير- إن شاء الله- على ما يرام. ولعل السنغال بوابة غرب أفريقيا بإصلاحاته سيصلح العديد من الأمور في دول الجوار بحكم التأثير الجيوستراتيجي؛ والديني والعرقي على باقي الدول الأخرى. هذه هي حال السنغال بفسيفسائها وترحيبها الحار والعفوي، وذلك قد يلاحظ منذ وصولك بداكار فالتقاليد والأعراف الأفريقية بادية.