"..خدمت وطني في شبابي وكنت مطيعة لزوجي الشهيد وربيت أبنائي ثم تفرغت للعبادة وتعلم القراءة والكتابة وحفظ كتاب الله"، بهذه العبارة استهلت الحاجة حليمة لقاءها ب"الشروق اليومي" بمنزلها في مدينة بواسماعيل بتيبازة وروت دوافع إصرارها على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وهي في سن الشيخوخة. الحاجَّة حليمة التي تبلغ من العمر 73 سنة لم تكن قبل سنوات تفرّق بين أحرف اللغة العربية وبقية اللغات ولم تكن تحفظ من آيات الله إلا سورتيْ الفاتحة والإخلاص كغيرها من الأمهات الأميات، غير أنها وبعد أن بلغت من الكِبر عتيا قررت أن تكمل مسار حياتها في دفء الإيمان ونعمة القراءة. تقول المجاهدة الحاجة حليمة محنون تيضافي إنها تزوجت في ال 16 من عمرها من العقيد "مناد الجيلالي" وصعدت معه إلى الجبل سنة 1957 حيث عملت رفقة المجاهدين قبل أن يستشهد سنة 1960، وبعد الاستقلال تزوجت من المجاهد تيضافي وأنجبت منه أولادا كلهم حصلوا من العلم ما يكفي ليعينهم على مصاعب الدنيا. وتواصل الحاجة حليمة بأنها وزوجها الشهيد لم يأخذا سنتيماً من منحة المجاهدين حيث رفضا تقديم ملف العمل في الثورة لأنهما أرادا أخذ الأجر من الله. وعن تفكيرها في تعلم القراءة والكتابة تردُّ الحاجة حليمة إنها قررت الدخول إلى مدرسة محو الأمية بعد تخصيص المركز الثقافي لقسم خاص بالنساء. ولمساعدة ابنتها التي تدرس بالجامعة بدأت في مزاولة الدروس بانتظام غير أنها وبعد أن تعلمت الحروف الأبجدية توقفت لظروف عائلية لكنها واضبت على تعلم القراءة بالبيت، وفي أحد الأيام التقت عجوزاً من معارفها وعلمت منها أنها تحفظ بعض القرآن وتحسن تلاوته، فقررت حينها أن تولي كل اهتمامها للقراءة وحفظ كتاب الله وصارت الآن تحفظ سبعة أحزاب وترتل القرآن على طريقتين (حفص وورش) كما أنها تقرأ الكتب والجرائد أفضل من بعض خريجي الجامعات. الحاجة "حليمة" لم تتوقف عند هذا الحد بل توجهت لخدمة بيت الله رفقة بعض النساء، حيث تقوم يوميا في ساعة مبكرة بالتوجه إلى المسجد العتيق بمدينة بواسماعيل لتنظيف أركانه ونقل الزرابي إلى بيتها لغسلها، وتستغل الوقت بالمسجد لحفظ القرآن والصلاة وتعتزم حفظ المزيد مما تيسر من كتاب الله وقالت "لن أتوقف عن الحفظ إلى أن ينتهي أجلي". السيدة حليمة التي وجدناها تتهيأ للذهاب إلى البقاع المقدسة لأداء العمرة، قالت إن تعلم القراءة والكتابة وحِفظ القرآن سمح لها بالعمل كمرشدة متطوعة عندما أدت فريضة الحج والعمرة ثلاث مرات، حيث تعمل على مساعدة النساء الأميات التائهات وسط الحجيج وتوجيههم نحو بعثات بلدانهم. الحاجة حليمة التي ترفض مجالسة النساء ولا تلبي دعواتهن لمختلف المناسبات لأنها ترفض مواضيع حديثهن التي لا تخرج عن النميمة والكلام في الناس بما لا يرضون، ختمت لقاءها معنا بتلاوة آيات من صورة البقرة وبصوت يقشعر له البدن ويبدو لسماعه أنه لفتاة في مقتبل العمر .