إذا كان الكثير منا لا تربطه تلك العلاقة الوطيدة بكتاب الله تلاوة وتدبرا سوى وفي أحسن الأحوال خلال شهر رمضان، إلا أن الكثيرين يصرون على صنع الاستثناء ولا تثنهم العوائق ولا يجتهدون في إيجاد الحجج للتملص من الاحتفاء والاهتمام بالقرآن الكريم، في وقت يعد فيه كتاب الله مهجورا حتى من طرف الجديرين بتدارسه وتلقينه، غير أن الأمر يختلف تماما حين يتعلق بإرادة فولاذية لا تعرف المستحيل ولا تؤمن به كالتي تمتلكها خالتي «جمعة» ذات السبعين عاما والساكنة بحي بوعقال الشعبي بباتنة، حيث لا تكاد تعرف أن محدثها يريد أن تروي له قصتها مع القرآن حتى تسهب بكل فخر واعتزاز وشكر لله في رواية تجربتها المتفردة التي بدأت حين أبانت رغبة كبيرة في حفظ كتاب الله بعد أن استأنست بسماع آياته في الأشرطة التي تقتنيها لهذا الغرض بمساعدة من الزوج «حليوش الصغير» الذي لم يبخل عليها بالدعم المادي والمعنوي، رغم أنه لا يحفظ من القرآن إلا بعض قصار السور ويحدثنا عن الهمة العالية للزوجة الفاضلة في هذا الهدف الجليل التي مكنتها من تحقيق معجزة، حيث إن خالتي جمعة هي عجوز أمية تلقت دروسا لمدة سنة واحدة بالمدرسة القرآنية بمسجد علي بن أبي طالب لحي كموني بباتنة في إطار محو الأمية، لتتفرغ بعدها لحفظ القرآن وتصحيح نطقها للحروف من خلال سماع أشرطة لكبار المقرئين ما ساعدها كثيرا في عملية الحفظ واستظهار الآيات التي تحفظها على إحدى المرشدات، ويؤكد لنا الشيخ عمر داودي، إمام مسجد علي، أن خالتي جمعة لم تتجاوز السنة الواحدة في حفظ القرآن الكريم قبل أن تستظهره أمامه شخصيا وهي الآن تعكف على دراسة أحكام التلاوة. هذا وقد كرمت العجوز الظاهرة باحتفالية أقيمت على شرفها بمسجد الحي ووجدت فيها مدرساتها وأبناؤها فرصة للتباهي بأمهم، على اعتبار أن أي حافظ جاد للقرآن قد يتجاوز في ختمه الثلاث سنوات إن كان متعلما، غير أن معونة الله رافقت رغبة صادقة في قلب خالتي جمعة جعلتها تكسر القاعدة وجعلت الشيخ داودي يقف عندها مطولا ليستنهض همم الشباب لحفظ القرآن بدل إهدار الوقت فيما لا يأتي بفائدة، وتؤكد لنا خالتي جمعة أن شعورا غريبا كان ينتابها حين تستمع إلى القرآن فيتسلل إلى وجدانها غير أنها لا تحسن القراءة