من حقنا الآن ونحن على تخوم العيد أن نزن أعمالنا ونقيم أنفسنا بعد شهر من الصيام والقيام، ونسأل إن كنا قد بلغنا التقوى التي من أجلها كتب علينا الصيام كما كتب على الذين من قبلنا!! من حقنا أن نتساءل إن كنا قد أمضينا فترة نقاهة معوية نهارية أم كنا في إضراب عن الطعام أم صوم بفلسفته الإيمانية المرجوة التي جعلته العمل الوحيد الذي يقوم به ابن آدم وهو ليس له وإنما لله والله يجزي به؟ هل كان همنا هاته الأطنان من اللحوم والحلوى والفاكهة العابرة للقارات، أم هاته الحفلات الراقصة والبرامج المائجة التي قدمتها مختلف الفضائيات؟ أم كان صوما بأمر بمهمة تنتهي مع هلال شوال حسب بطاقة التعريف التي أسكنته خارطة الإسلام؟ فقد امتلأت المساجد بعشاق التراويح وبلغ رقم قفف رمضان مئات الآلاف وتزاحمت مطاعم الرحمة حتى أمسى أمام كل مطعم رحمة مطعم آخر، وفي المقابل اشتغلت مصالح الاستعجالات وسيارات الحماية المدنية ومصالح الدرك والشرطة كما تشتغل في بقية الشهور، فكما كانت وستبقى ليلة القدر خير من ألف شهر، تفنن بعض المجرمين ونكلوا بشهر الصيام وابتدعوا فيه جرائم بحجم آلاف الشهور والسنون. في شهر الصيام حدث أول انتصار إسلامي في غزوة بدر وتبعه فتح مكة وفتح صقلية والأندلس وأنطاكية وانتصار العبور، وفيه الآن شهدت العراق مزيدا من التقتيل الذي بلغ في السابع والعشرين من رمضان الموصل، وبلغت الفتنة في لبنان الحلقوم ولا أمل في حل كان قبل الصيام ممكنا، وصادرت إسرائيل أراضي العرب في القدس ووضعت غزة في جيب أولمرت وسقط قتلى في تركيا واشتدت المعارك في الصومال بين المسلحين والحكوميين وأحصت باكستان مئات الضحايا في وزيرستان وأصبحت العودة إلى المربع الأول للحرب في السودان تحصيل حاصل لأن الفتنة انتشرت من دارفور إلى كامل السودان، ناهيك عن الرعب الذي عشّش في سوريا والجزائر والمغرب وإيران ومصر.. هل من حقنا الآن أن نسأل إن صمنا فعلا وبلغنا تقوى البدريين والفتحيين وأبطال صقلية والأندلس؟! منذ أربعة وسبعين عاما، »صام« أبو الهند المهاتما غاندي إضرابا عن الطعام لمدة واحد وعشرين يوما فهز الدنيا، هزّ وزلزل المملكة البريطانية التي لا تغرب عنها الشمس ولا القمر، ومنذ ثلاثة وأربعين عاما »صام« نلسن مانديلا في سجنه فهزّ بريتوريا وكل العالم، والآن يصوم مليار ونصف مليار مسلم دون أن يهزّوا أنفسهم فما بالك بالآخرين، ألا نستحق بعد هذا ثورة الشاعر رشيد سليم الخوري وهو يصف حالنا نحن العرب والمسلمين!؟