كتاب جديد للمؤلف الإسباني لويس بورتيو باسكوال يبرز فيه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    جمعية الكونفدراليات الإفريقية للرياضات الأولمبية، هيئة في خدمة النخبة الرياضية الإفريقية    رئيس الجمهورية يهنئ حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها كنائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    الجزائر العاصمة: حجز 41 مليار سنتيم ومبالغ بالعملات الأجنبية    التجديد النصفي لعدد من أعضاء مجلس الأمة: قوجيل يترأس جلسة علنية مخصصة لعملية القرعة    اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة: تنظيم معارض و توزيع تجهيزات بولايات شرق البلاد    ضرورة العناية وتطوير المهارات الصوتية لتكوين مقرئين ومؤذنين ببصمة جزائرية    بداية تداول أسهم بنك التنمية المحلية في بورصة الجزائر    كرة حديدية :انطلاق دورة العاصمة الرمضانية سهرة يوم الخميس    جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الصهيوني الإنسانية تجاه الفلسطينيين    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد: فرقة "شمس الأصيل" من بوسعادة تمتع الجمهور    السيد حساني شريف يبرز أهمية تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات والحملات الحاقدة ضد الجزائر    مجلس الأمن الدولي: جلسة إحاطة بشأن الوضع في السودان    عدل 3: عملية تفعيل الحسابات وتحميل الملفات عبر المنصة الرقمية تسير بشكل جيد    كأس الجزائر: شباب بلوزداد يفوز على اتحاد الشاوية (4-2) ويواجه مولودية بجاية في ربع النهائي    جيجل: مصنع سحق البذور الزيتية بالطاهير سيكون جاهزا قبل مايو المقبل    وهران: مسرحية "خيط أحمر" تستحضر معاناة المرأة الجزائرية خلال فترة الاستعمار الفرنسي    فتح خطوط نقل استثنائية خاصة بالشهر الفضيل    جسر للتضامن ودعم العائلات المعوزة في ر مضان    الشباك الموحد يدرس إدراج شركة 'ايراد" في بورصة الجزائر    دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    توقيف 6 عناصر دعم للإرهابيين في عمليات متفرقة عبر الوطن    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    فرنسا تحاول التستّر على جرائمها بالجزائر!    هكذا يتم إصدار الهوية الرقمية وهذه مجالات استخدامها    مصانع المياه تعبد الطريق لتوطين المشاريع الكبرى    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    الاتحاد الإفريقي يدين إعلان حكومة موازية في السودان    فتح 53 مطعم رحمة في الأسبوع الأول من رمضان    المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة    مساع لاسترجاع العقارات والأملاك العمومية    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    أيراد تطرق باب البورصة    التشويق والكوميديا في سياق درامي مثير    للتراث المحلي دور في تحقيق التنمية المستدامة    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    إدانة الحصار الصهيوني على وصول المساعدات إلى غزّة    محرز يعد أنصار الأهلي بالتتويج بدوري أبطال آسيا    تنافس ألماني وإيطالي على خدمات إبراهيم مازة    حراسة المرمى صداع في رأس بيتكوفيتش    وفد برلماني يشارك في المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات    مشاركة فرق نسوية لأوّل مرة    دعم علاقات التعاون مع كوت ديفوار في مجال الصحة    استعراض إجراءات رقمنة المكاتب العمومية للتوثيق    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    صادي في القاهرة    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوضى الفتاوى تبحث عن فتوى لوقف الفوضى
نشر في الشروق اليومي يوم 21 - 11 - 2007


مصطفى‮ فرحات
neoreporter@gmail.‬com
أثارت بعض الفتاوى الأخيرة التي »طارت« بها وسائل الإعلام العربية استنكارا شعبيا وغضبا جماهيريا، مثل فتوى الشيخ الطنطاوي بجلد الصحافيين المروجين للأكاذيب وفتوى إباحة رضاع الكبير وغيرها، لأن طبيعة الأحكام التي خرجت بها جاءت على غير ما عهده الوعي العربي الذي أضحى‮ تائها‮ بين‮ هموم‮ واقعية‮ تضغط‮ عليه‮ يوما‮ بعد‮ يوم،‮ ومبادئ‮ إسلامية‮ يتحتم‮ عليه‮ الأخذ‮ بها‮ والانقياد‮ إليها،‮ دونما‮ كُره‮ أو‮ إكراه‮.‬
هذه الفتاوى التي أطلقها »مشايخُ« واستنكرها »مشايخُ« تكشف عن خلل منهجي يحكم المجال الشرعي لهذه الأمة، ولن يكفي إحالة شيخ ما على لجنة تحقيق أو مجلس تأديب، لنحُلّ المشكلة من أساسها، لاسيما وأن المستقبل قد يُفاجئنا ب»فَلَتَان« على صعيد الفتاوى والأحكام الشرعية،‮ تنشرها‮ الفضائيات‮ العربية‮ التي‮ تتسابق‮ على‮ البرامج‮ الدينية‮ لإضفاء‮ شيء‮ من‮ المصداقية‮ عليها،‮ بما‮ فيها‮ تلك‮ التي‮ تعتمد‮ أساسا‮ على‮ الفن‮ ونشر‮ ثقافة‮ الإغراء‮.‬
ظاهرة »الدعاة الجدد« التي تحدّث الناس عنها طويلا ساهمت في الكشف عن إشكالية ظهر استحالة تجاوزها على صعيد المنهج وعلى صعيد الواقع؛ حيث اتفق الجميع على أن يقتصر هؤلاء الشباب الذين لم يتخصصوا في الدراسات الإسلامية الأكاديمية على الدعوة إلى الإسلام من خلال الجانب‮ الوعظي‮ في‮ برامجهم‮ التلفزيونية،‮ لكن‮ لم‮ يستطع‮ أحد‮ أن‮ يضع‮ حدا‮ فاصلا‮ بين‮ »‬الوعظ‮« وبين‮ »‬الإفتاء‮«‬،‮ لأنهما‮ تخصصان‮ يرتبطان‮ ببعضهما‮ ارتباطا‮ وثيقا‮ إلى‮ درجة‮ لا‮ يمكن‮ فيها‮ فصل‮ أحدهما‮ عن‮ الآخر‮.‬
وتأتي عقدة نفي التطرّف عن الإسلام لتحسين الشكل الخارجي وهو شكل حسنٌ من أساسه ولا يحتاج إلى »إصلاح العطّار« لاختزال الحقائق الشرعية وحتى التاريخية ومحاولة القفز عليها. وفوجئت وأنا أستمع إلى أحد »الواعظين« في قناة فضائية يتحدث عن سيرة الأئمة الأربعة، يذكر أن من القواسم المشتركة بينهم أنهم »لم يُصادموا الحكام«، وهذا خطأ تاريخي محضٌ، لأن التاريخ يكشف أن الإمام أبا حنيفة ساند ثورة آل البيت ضد الخلافة العباسية، وعلى رأسهم محمد الملقب ب»النفس الزكية«، وهو ما جعله يتعرض لسطوة أبي جعفر المنصور الذي سجنه وضربه، كما أن مالكا إمام دار الهجرة تعرض لسطوة الخليفة نفسه لأنه كان يُفتي بأنه لا طلاق على المُكرَه، وهو ما يعني ضمنا أن من بايع الحاكم وهو مُكره لا يلزمه شيء، وحُمل الإمام الشافعي الذي كان من آل البيت النبوي الكرام، مقيّدا إلى بغداد واتهم بالمشاركة في ثورة العلويين،‮ أما‮ أحمد‮ بن‮ حنبل‮ فقد‮ سُجن‮ وضُرب‮ وامتُحن‮ من‮ طرف‮ الخليفتين‮: المأمون‮ ثم‮ الواثق،‮ بسبب‮ محنة‮ خلق‮ القرآن‮!‬
لكن المبالغة في تزيين الإطار الخارجي ولو على حساب الحقيقة يؤدي إلى تشويه التاريخ وتشويه منصب الإفتاء الذي يُعتبر أصحابه بمثابة »الموقّعين عن رب العالمين«. ولهذا يُعاد اليوم في سياق حمّى السّبق والتفرد وشهوة الترؤس، نبشُ التراث الإسلامي واستخراج فتاوى مبتوتة‮ عن‮ سياقها‮ الأصلي،‮ لم‮ تُراع‮ فيها‮ كليات‮ الشريعة‮ ولا‮ جزئياتها،‮ ولا‮ مقصد‮ السائل‮ ونوعية‮ المُستفتي‮.
ويزداد الإقبال بشكل تدريجي على البرامج الدينية التي تُقدِّم للناس فتاوى »على الهواء مباشرة« ليؤكد أن عموم المسلمين في العالم الإسلامي: لا يثقون في مؤسسات الإفتاء الموجودة ببلدانهم الأصلية، أو لا يعرفون كيف يتواصلون معها، أو أن خدماتها المتعلقة بالإفتاء لا تعتمد على آليات سريعة تمكّن من يحتاج إلى فتوى بالحصول عليها في وقت وجيز، وهذا يعني في كل هذه الحالات فشل المؤسسات الدينية الرسمية التي أنشئت لتحجيم »فوضى الفتاوى« التي تقود الأمة إلى المهالك.
إن الحضارة الإسلامية غنية بتراث فقهي خصب، ومعين لا ينضب، إن أُحسن استغلاله وتوظيفه في إطار التاريخ والواقع والمستقبل، ولهذا علينا أن نُدرك جيدا أنّ ترك هذا التراث تتقاذفه الأيدي وتتلاعب به الأهواء قد يفتح الباب أمام فتن داخلية تُسفك فيها الدماء وتتعدد فيها‮ المرجعيات‮ المُتعصبة‮ لأهوائها‮ ‮ وليس‮ آرائها‮ ‮ داخل‮ المجتمع‮ الواحد،‮ فيصبح‮ الثراء‮ الفقهي‮ الذي‮ تميزت‮ به‮ الأمة‮ الإسلامية‮ »‬قنبلة‮ موقوتة‮« مضبوطة‮ »‬خارجيا‮« على‮ الانفجار‮ »‬داخليا‮« في‮ أي‮ لحظة‮.‬
لكنَّ هذا الفشل الذريع الذي مُنيت به مؤسسات الإفتاء الرسمية لا يمكن التحدث عنه بمعزل عن واقع المؤسسة الأم: وهي الدولة التي تعاني في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي من أمراض مُزمنة تتفاوت خطورتها بين دولة وأخرى.
سُئل أشعب يوما، وهو شخصية تشتهر بالطمع وتتبع الولائم، إذا ما كان معدودا ضمن طبقة التابعين الذين أدركوا الصحابة، فأقر ذلك وادّعاه. ولما طولب بإثبات هذه الدعوى عن طريق الرواية، قال: »حدثني عكرمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »خصلتان لا يخلو منهما قلب امرئ مؤمن«، ثم سكت. فقيل له: وما هاتان الخصلتان يا أشعب؟ قال: »لقد نسي عكرمة الخصلة الأولى، ونسيت أنا الثانية«، فقال الناس: »ضاع الحديث بين أشعب وعكرمة«، فذهبت هذه الكلمة مثلا. ونحن بدورنا لا نريد أن يضيع الإسلام بين مجتمع لا يعرف الدين إلا‮ في‮ المآتم‮ والمصائب،‮ وبين‮ مفتين‮ لا‮ يعرفون‮ من‮ الدين‮ إلا‮ ما‮ يضفي‮ الشرعية‮ على‮ أفعال‮ المجتمع،‮ مهما‮ ظهر‮ خطؤها‮.
ولكن أزمة مؤسسة الفتوى تدل كذلك على مدى الهوة العميقة بين الإطار النظري للمجتمع الإسلامي، وبين واقعه، حيث يُطالب العالِم باستصدار »فتاوى شرعية« لمعالجة مشكلات سببها الرئيس غياب الشريعة عن عالم المستفتين... فمن يحل هذه الأحجية الملغّمة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.