مهمة "المنسق" لدى الوزير الأول تتضح عشية التعديل الدستوري ما يزيد عن 11 هيئة وطنية كبرى من مختلف القطاعات تحولت من وصاية رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية أو احد الوزراء ما بين منتصف العام 2006 ونهاية 2007، وتزامنت ذلك مع استمرار تفكيك سلطة مجلس مساهمات الدولة الذي يرأسه رئيس الحكومة. بإحالة المجمعات و المؤسسات الاقتصادية العمومية التي كان المجلس يراقبها ويقيم أداءها ويعين ويعزل مسيريها إلى وصاية الوزراء كل حسب القطاع الذي يتبعه، لترتسم منذ الآن حدود صلاحيات ومهام منصب الوزير الأول الذي يرتقب ان يعوض رئيس الحكومة كما يحضر له مهندسو الدستور الجديد، وتتلخص وظيفته الجديدة في التنسيق ما بين مختلف الدوائر الوزارية لمتابعة تنفيذ برامج وسياسات رئيس الجمهورية باعتبار أن هذا الأخير سيصبح المشرف الوحيد على الجهاز التنفيذي للدولة، ويوضح مسح لمجموع النصوص القانونية التي أعادت النظر في العديد من المؤسسات والهيئات التابعة لرئيس الحكومة بالحذف والتحويل. ومعظمها هذه النصوص جاء في شكل مراسيم رئاسية، أن العملية لم تتوقف منذ انطلاقتها في ماي 2006 وتكثفت مع مغادرة أويحيى لرئاسة الحكومة ومجيئ بلخادم الذي لم يتردد في القول انه وظيفته لا تتعدى صفة "المنسق" ، امتثالا لنظرة رئيس الجمهورية عندما سجل أكثر من مرة رفضه لما يراه توزيعا دستوريا مختلا ومتناقضا في الصلاحيات التنفيذية على مستوى هرم الدولة ما بين رئيسي الجمهورية و الحكومة. ورافع بوتفليقة لأجل نظام رئاسي يضع هذه الصلاحيات التنفيذية حصرا في يده، وكرر قوله أنه لا يرى من المنطق أن يقدم المترشح لقصر المرادية برنامجا ينتخب على أساسه من الشعب ثم يعين رئيسا للحكومة يجد نفسه مضطرا دستوريا لتقديم برنامج جديد لا يمكن أن يمر دون تزكية البرلمان. و ربما هذه النقطة هي الوحيدة التي أثارها الرئيس بوتفليقة بشكل رسمي في تحفظاته على الدستور الحالي. وتتوزع الهيئات التي انتزعت من رئيس الحكومة على قطاعات إدارية ومالية وقانونية وتكنولوجية، وكلها تدل على سلطات كبيرة ومتداخلة أصبح رئيس الحكومة يحتكم عليها بعد 18 سنة على اعتماد المنصب دستوريا في النظام السياسي الجزائري، وأبرزها مديرية الوظيفة العمومية التي ألحقت برئاسة الجمهورية والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار التي حولت إلى مكتب وزير الصناعة وترقية الاستثمار حميد تمار، لكن أيضا هيئات أخرى مثل المحافظة العامة للتخطيط والاستشراف (إلى وزير المالية) ومديرية الإصلاح الإداري (الى وزير الداخلية) والديوان الوطني لمكافحة المخدرات (إلى وزير العدل) والوكالة الفضائية الجزائرية (الى وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال) وغيرها. وكان لتحويل هذه الهيئات أثره المباشر على الغلاف المالي المخصص في ميزانية الدولة للعام 2008 لرئاسة الحكومة، و ووجد بلخادم أن المخصصات المعتمدة لتسيير مختلف مصالحه تقلصت بالنصف خلال العام الجاري لتصل الى حدود 110 مليار سنتيم بعدما قاربت العام الماضي 220 مليارسنتيم، ولا يعود ذلك فقط لتحويل مخصصات الهيئات المنتزعة منه الى أوصيائها الجدد، بل تم حذف مخصصات مالية أخرى تدل على تقليص مجالات تدخله، مثل ما يرمز اليه الغلاف المرصود لتغطية مصاريف الخبراء الوطنيين والأجانب الذين يستعين بهم رئيس الحكومة حيث لم يتعد هذه المرة 50 مليون سنتيم بعد أن تجاوز العام الماضي عشرة أضعاف هذا الرقم. عبد النور بوخمخم