يتخوف أئمة المساجد الكبرى من أن يحول تطبيق سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، بعض بيوت الله إلى مراقد أو فنادق لمن لا مأوى لهم أو للمشبوهين، لذلك يكتفي معظمهم بإقامة صلاة التهجد فقط، ليبقى الاعتكاف مقتصرا على عدد جد محدود من المساجد. تضاعف المساجد من نشاطها خلال العشر الأواخر من رمضان، ويشرع الأئمة في إقامة صلاة التهجد التي تبدأ في حدود الساعة الثالثة إلا ربع صباحا إلى غاية ما قبل صلاة الصبح، وتخصص الدروس التي تسبق صلاة المغرب عادة للحديث عن فضائل العشر الأواخر، وحث الناس على الإقبال عليها، بدل تضييعها في التسوق، ويجمع الأئمة على اتساع ظاهرة هجران المساجد من قبل فئة واسعة من الأفراد خاصة بالنسبة لصلاة التراويح، بدليل حالة الاكتظاظ التي تشهدها الطرقات والشوارع ومراكز المدن خلال سهرات هذا الشهر الفضيل، والتي تزداد حدة في الأسبوع الأخير منه، بسبب تسابق الناس لاقتناء كل ما يتعلق بلوازم العيد، مقابل التخلي عن الجوانب الروحانية التي يحملها شهر رمضان. ويؤكد رئيس نقابة الأئمة "جمال غول" بأنهم لا يقصرون في توعية الناس وتذكيرهم بمغزى شهر الصيام، خصوصا ما تعلق بعظمة وفضائل العشر الأواخر منه، منبها إلى ضرورة اغتنام ما تبقى من رمضان. وتؤدى صلاة التهجد عبر أغلب المساجد، باستثناء تلك التي تقع في المناطق النائية والبعيدة، نظرا للظروف الأمنية، وهي لا تتطلب إجراءات خاصة، ويكفي التزام إمام المسجد بتبليغ مدير الشؤون الدينية على مستوى الولاية للشروع في إقامتها، في حين يتطلب الاعتكاف الحصول على ترخيص من المديرين الولائيين الذين يتولون تبليغ المراكز الأمنية، التي لا تمنع ولا ترخص وإنما تراقب من بعيد فقط، ولا يقبل المصلون كثيرا على الاعتكاف بالمساجد في العشر الأواخر من رمضان، رغم أنه سنة متعارف عليها، التي شرع البعض في تطبيقها اقتداء بما لاحظوه لدى سفرهم إلى البقاع المقدسة، ويقتصر حاليا الاعتكاف على المساجد الصغيرة التابعة للأحياء، لكون الإمام يستطيع بسهولة التعرف على من يقيمون بداخل المسجد قصد الصلاة والذكر والدعاء إلى غاية انقضاء الشهر الفضيل، في حين يتجنب أئمة المساجد الكبيرة التي تقع في مقرات البلديات أو مراكز المدن المغامرة بفتح أبواب المسجد لغرباء لا يمكنهم التحقق من هويتهم، خشية من أن يستغل بعض المشبوهين الظرف للتخفي عن الأعين، أو يحول المسجد تحت غطاء تطبيق السنة إلى مرقد أو فندق بالنسبة للبعض. علما أن الظروف الأمنية التي عاشتها البلاد في سنوات سابقة كانت من بين أسباب تجنب الاعتكاف بالمساجد في أواخر رمضان، فضلا عن عدم اجتهاد الائمة في التشجيع عليه، بالنظر إلى ما يترتب عنه من مسؤوليات، خاصة اتجاه الجهات الأمنية، على اعتبار أن الإمام هو المسؤول الأول عن بيت الله أمام السلطات والقانون، في حين يغيب الاعتكاف تماما في المناطق البعيدة والنائية وفق تأكيد "إمام مسجد عبد الرحمان الثعالبي" بيسر الشيخ "محمد نور"، بسبب قلة الوعي وكذا لأسباب أمنية، لهذا يكتفي الأئمة بإقامة صلاة التهجد فحسب، علما أن وزارة الشؤون الدينية لم تخص المساجد هذه السنة بتعليمة جديدة لتنظيم الاعتكاف والتهجد، وهي تلزم الأئمة فقط بتقديم حصيلة عن نشاطهم خلال رمضان، ومن الأئمة من يرفقون تقاريرهم بالصور والوثائق التي تبين طبيعة النشاط الذي قاموا طيلة الشهر الفضيل، خاصة في ليلة القدر التي تشهد احتفالية خاصة، من خلال تكريم حفظة القرآن، غير أن عدم منح الأئمة النشطاء تحفيزات لتشجيعهم على العمل، من شأنه أن يقتل روح المبادرة لديهم.