إن هذا المناخ المغلق، سيواجه من قبل الشعوب المهمشة بالمخطط المفتوح للمستقبل، وهنا ينبغي أن تبرز جهود اليسار وبرامجه في صوابية منهجه، بما يفتح من جديد استئناف تطور وتطوير الحركة والتحولات التقدمية الشعبية التي شهدها العالم العربي، بين خمسينيات إلى سبعينيات القرن العشرين، والتي قادتها ثورة 23 يوليو بزعامة عبد الناصر، ثورة الجزائر، حركات حرب التحرر الوطني والاستقلال المغربية والتونسية، الثورة اليمنية (شمالاً وجنوباً)، الثورة الفلسطينية بقواها الوطنية الواقعية واليسارية الثورية الديمقراطية، نهوض الحركات والقوى الوطنية والليبرالية اللبنانية• وفي هذا المسار تمت إنجازات استراتيجية كبرى وأخطاء استراتيجية كبرى، وفي مقدمتها غياب الديمقراطية التعددية الفكرية والسياسية، الحزبية والنقابية• وعلى هذا انهارت وتبددت الكثير من التحولات الإستراتيجية الوطنية والتقدمية اليسارية والليبرالية، على يد الأنظمة السلطوية والقوى المضادة وتحالفاتها المحلية والدولية خلال الحرب الباردة، مع قوى التخلف واليمين في الداخل والمعسكر الرأسمالي الاستعماري الدولي• الآن ينبغي على اليسار إعادة بناء حركته الاجتماعية والسياسية، كي لا يكون موقفه انتظارياً، وبما يسمح بتجديد مصداقية الفكر اليساري الوطني، فكر التطوير والتغيير، الإصلاح والانفتاح، مقروناً أيضاً بالإفادة من تطور الحركة التقدمية الجديدة على المستوى العالمي؛ التحولات اليسارية الديمقراطية في العالم الثالث وخاصة في أمريكا اللاتينية، الثورات الصناعية الكبرى في اقتصادات البلدان الصاعدة: روسيا، الصين، الهند، فيتنام، البرازيل، جنوب إفريقيا، حركات العولمة الشعبية البديلة في بلدان المركز الرأسمالي، تحرير العقل، والثورات الصناعية في بلدان النمور الاقتصادية الرأسمالية في آسيا• إن العمل التقدمي على الثقافة وإفرازاتها كحركة ميدانية تطمح إلى تحقيق سيادة الأوطان، والقيم الجمهورية الديمقراطية القائمة على ''تحرير العقل، المساواة في المواطنة، حل المعضلات المزمنة الإثنية والطائفية والمذهبية، العدالة الاجتماعية، وبناء الحكم الصالح''، بتلازم لا ينفصم كضرورة قصوى• وإذا كان لا بد للحركة النقابية والعمالية في طليعتها من أن تنهض، فلن يكون ذلك إلا بوقوف طليعتها في وجه النيوليبرالية المتوحشة ومحدداتها الكلانية المنقطعة والمغلقة، في تحقيق مستلزمات التنوير العربية، إشاعة الحريات، وفصل الدين عن الدولة، فالدين للإنسان وربه، والدولة للمجتمع بكل مكوناته الطبقية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والإثنية، وتحرير النساء، مع المهمة الأولى المتمثلة بالدفاع عن مصالح الكادحين قطرياً و عربيا (بعقولهم و عضلاتهم) و تحسين شروط معيشتهم.