ينظر إلى التجربة التونسية أنها "الأنجح" مقارنة بما شهدته دول عربية عرفت ما اصطلح على تسميته ب"الربيع العربي"، فتونس تعرف استقرارا كبيرا، ووضعت أولى لبنات بناء المؤسسات الدستورية، كما حقق الحراك للتونسيين الحرية، لكن بالمقابل لا يزال الغبن الاجتماعي السمة الأهم لتونس بعد الثورة. تونس... ثورة ليست كالثورات حين نختصر الزمن ونقارن بين الحاضر والمطالب التي خرج من أجلها الشعب في تونس بين 17 ديسمبر و14 جانفي، نجد أنّ لا شيء تحقّق، أو بالأحرى لا ثمار وصلت إلى شعب يريد تجاوز عملية سياسيّة تترنّح وإعلام يعرف التسيّب. لا أحد في حاجة إلى دليل أو إثبات حالة القرف العامّة والمرارة التي تكاد تشمل الجميع، لم تدفع فقط إلى إعادة السؤال بخصوص مسار "الثورة"، بل أساسًا عن أسباب انطلاقها، حين فضّل الشعب في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الفارطة، من يقول خصومهم إنّهم "أزلام النظام السابق"، أو في أشدّ الحالات تخفيفًا "من لم يشاركوا في الثورة ولم يكونوا طرفا فيها"... بين صدمة المشهد لدى من يرون أنفسهم "ورثة الثورة"، وشرعيّة الصندوق لدى "من لا يرون غيرها"، تجد تونس نفسها على تقاطع، ينطلق من هذه المرارة إلى أفق شديد الضيق إن لم يكن غامضا بحسب عدد متزايد من المتشائمين. يجد التونسيون بعض السلوى عند مقارنة "ثورتهم" بحال الدول المثيلة في إزاحة زعمائها، حين يرونها "الأفضل" (وفي رواية أخرى "الأقلّ سوءا")، لكن هذا المشهد "الوردي" الذي يطنب العديد في مدحه، يدفع (تجاوزًا) إلى البحث بل تجاوز "الصورة" إلى عمق المشهد. من بين ما يقارب 8 ملايين هم في سنّ الانتخاب، سجلّ في الانتخابات 5 ملايين فقط، في حين اكتفى بالمشاركة 3 ملايين، ممّا يعني أنّ قرابة ثلثي الشعب التونسي أراد أو وجد نفسه خارج المنظومة السياسية، دون إغفال أنّ 94 في المائة من الشباب بين 18 و30 سنة لم يشارك في الانتخابات الأخيرة. هو سريان أو بالأحرى انسياق ضمن لعبة انتخابيّة وعمليّة سياسيّة تجد الكثير من المصاعب، حين تحوّل تشكيل الحكومة إلى "أمّ المعارك"، لكن أيضًا (وهنا الخطورة) لا أحد (أو قليل جدّا) من يطرح السؤال عن علاقة هذا "الحراك السياسي" (الديمقراطي شكلا) بما يسمّى "الحراك الشعبي"، حين صارت الإضرابات العشوائيّة جزءا من المشهد السياسي والاجتماعي. هي أسئلة تتجاوز التفاصيل الدقيقة والآليات المنظمة للعملية السياسيّة، إلى تساؤلات يطرحها "الثوّار" (مع الاختلاف في تعريف الكلمة) من جهة ومن هم في السلطة راهنًا (أيّ الفريق المنافس)، دون أن ننسى أو نغفل طيفا يبدأ من حركة النهضة التي تريد الجلوس على جميع الكراسي وصولا إلى اليسار الذي يريد الجمع بين "الوعاء الثوري" و"المحتوى البراغماتي"... ما يزعج التونسيين جميعًا دون استثناء، عدم الرغبة أو هي القدرة على تجاوز حرارة المشهد القائم إلى ضرورة البحث في الأصول الثوريّة المؤسّسة (افتراضا) للواقع السياسي القائم، حين بدأ الصراع ويتواصل من أجل السلطة ومن حولها، ليس فقط بين (ما يسمّى) "الفرقاء السياسيين"، بل (وهنا الخطورة) داخل "العائلات السياسيّة" ذاتها. هو خوف من المستقبل وجهل بقراءة الماضي وتحليل الحاضر واستشراف القادم، تجعل جميعها "الثورة" مجرّد لفظ عابر يتبارى الجميع في جعله، مجرّد ركيزة عند الحاجة وسلاحا عند اللقاء.
أيقونتا الثورة التونسية "هرمنا" و"بن علي هرب" يتحدثان إلى "الشروق" عن تونس بعد الثورة اسماهما محمد حفناوي وناصر عويني، لكن من الصعوبة حقا أن تجد أحدا في تونس أو خارجها يعرف اسميهما، فقد صقلا باسمين آخرين هما "هرمنا" و"بن علي هرب" وصارت الصرختان علامتين مسجلتين باسميهما... بعد أربع سنوات التقتهما "الشروق" في العاصمة تونس، الأول ازداد شيبا، بل ازداد هرما وهو الذي مسح على رأسه في 15 جانفي 2011 هاتفا: "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"، والثاني كان في قمة الأناقة... إذن جمعتهما الثورة وفرقتهما الخيارات بعدها، الأول وقف إلى جانب المرزوقي والثاني ضده، لكن دون أن يساند السبسي، لكنها يتفقان على أن تونس بعد الثورة "ليست بخير".
هرمنا يزداد هرما بوصول هارم إلى السلطة "ازددت شيبا ولست مطمئنا على تونس" يلزم وقت طويل حتى يرجع الشباب، الاستفادة الوحيدة من كلمة هرمنا هي الحريات، وحق المواطن في تقرير المصير، انتخابات حرة ونزيهة نحن في رابع انتخابات حرة ونزيهة، الأولى للمجلس التأسيسي ثم تشريعية وانتخابات رئاسية على دورين، هنالك انتقال ديموقراطي ووضوح في الرؤية، سنوات ما بعد الثورة كانت سياسية فقد سيطر الحراك السياسي على كل المناحي، وغُض النظر عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمواطن التونسي، والنتيجة العزوف عن الانتخابات، وعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل تونس، كان هنالك مرشحان للرئاسيات، السبسي كبير في السن ووراءه رجال أعمال كبار جدا واصطفاف من منظومة قديمة للتجمع "الدساترة"، وهم وراء رجوع الآلة التي عزلت الشعب، والمرزوقي الذي تعرض للتشويه ل3 سنوات، عبر آلة إعلامية كانت تحد من نشاطه وتقزم توجهاته، ومع ما يحصل أنا لست مطمئنا على تونس.
ماذا تحقق من شعارات الثورة، حرية كرامة وعدالة اجتماعية؟ حقيقة تونس تقدمت في مجال الحريات والمجال السياسي، أركان البيت في تونس ما تسمى بالأعمدة، تأسس السلم الأهلي وهنالك دستور ومؤسسات مستقلة كالهيئة العليا لمراقبة للانتخابات، وأخرى لمراقبة الإعلام، هذه هي المكاسب المحققة فقط. لكن الكرامة والشغل والعدالة الاجتماعية بقيت شعارات، السنوات الأربع الماضية ذهبت في السياسية فقط، بل أقول خبث سياسي، ومتاهات والكل يسعى وراء الكراسي والشعب لم يجد حيلة لوقف النزيف السياسي، نحن في حيرة من أمرنا ومن مستقبل تونس في خضم الزوبعة السياسية الكبرى.
إذن أسباب خروج الشعب من جديد ورادة؟ ليس مسبتعدا الخروج، لأن مشاكل الشعب الحقيقية لم تحل، الرئيس ليس له العصا السحرية، ليست له الوسائل للسيطرة على التهميش والبطالة، الرئيس سيتعرض لضغوط شعبية ولن ينتظر أكثر، الشعب كما يقال بالتونسي "طلعت روحو"، لقد مل من الهروب إلى الأمام، نحن في فترة عويصة جدا، خاصة في المناطق المهمشة كسيدي بوزيد والكاف والقصرين ومدنين والقيروان وهي مهد الثورة لكنها معزولة عن النمو الاقتصادي.
ماذا سيفعل الرئيس؟ يلزمه الصبر ومعرفة مخاطبة الشعب وأن يكون رئيسا لجميع التونسيين دون إقصاء.
هموم البلاد زادتك شيبا؟ نعم ازددنا هرمنا أكثر، بعد أربع سنوات، لأن تونس عرفت مطبات كثيرة وأزمات اجتماعية كثيرة، غلاء المعيشة، والشعب ليس قادرا أن يعيش حياة كريمة في ظل ركود اقتصادي، وهنالك ما يسمى بالثورة المضادة، في تونس السياسة أصبحت بوابة للمصالح الشخصية بسبب رجال أعمال فاسدين.
ماذا تغير فيك بعد صرخة هرمنا؟ أصبحت مسؤولا عن كل تصريح وكل كلام أتلفظ به، أحمد الحفناوي هرمنا لا يزال متشبثا بالثورة وأهدافها ومكاسبها حرية عدالة كرامة، لقد مررت بظروف صعبة في السنوات الماضية، ظروف مادية واجتماعية منهارة، ولكن لا أزال مع شباب الثورة ومستعد للخروج في وجه الحاكم المستبد أيا كان.
ما الذي اختلج في صدرك وأنت تصرخ هرمنا؟ كان يوم 15 جانفي بعد هروب بن علي، كان ألم مواطن تونسي عاش الدكتاتورية والقمع والسيطرة الأمنية على كافة مؤسسات الدولة، هرمنا كانت شجونا داخل مواطن تونسي عبر عنها بتلك الطريقة.
"بن علي هرب" عرضت عليه الملايين من أجل الفيديو ورفض "لم تتحقق الأهداف التي خرجنا من أجلها ولكننا في الطريق السليم" ماذا تحقق من أهداف الثورة بعد مرور أربع سنوات؟ لم تتحقق الأهداف ولم يكن لدينا وهم أنها ستتحقق بعد 4 سنوات أو خمس، إلا أنه في إطار التحديات التي فرضت على الساحة التونسية والثورة تحديدا، وفي إطار المعوقات التي زرعت أمام الشعب التونسي لتحقيق أهداف الثورة، أعتقد أن التونسيين نجحوا وتحصلوا على المعدل العام في امتحان الثورة، بالمقارنة مع بقية التجارب في اليمن سوريا ومصر وليبيا، وأعتقد أن الشعب التونسي خرج بأخف الأضرار. النجاح المحقق لم يكن ليحدث لولا الجزائر، الجزائر هي السور الذي يحمي ثورة تونس من أي اختراق، التونسيون بعد انتخابات 23 أكتوبر كانوا واعين أن هنالك مخططا لاختراق تونس وإضعاف الدولة في تونس وبعدها الجزائر بغية تقسيمها، على اعتبار أن المخطط الهادف إلى ضرب القوى الإقليمية والذي استهدف مصر والعراق وسوريا قد حان دوره على الجزائر.
مع عدم قطف التونسي ثمار الثورة، هل يمكن له الخروج مجددا أم يصبر تحت شعار الأمن أفضل من الفوضى؟ لقد فرضت علنيا الأمية الوجودية، الديموقراطية مع الخراب، أو الأمن مع الخبز ومن دون ديموقراطية، أو استبداد مع الأمن، والتونسيون نجحوا في كسر الأمية الثنائية التي أريد لها أن تطغى، نحن فرضنا أن تكون الديموقراطية والأمن وليس الأمن فقط في ظل الاستبداد. ثانيا المسار طويل وما طرح في هذه السنوات الأربع الأخيرة أعتقد أنه طُرح وتمت الإجابة عنه لدى أمم أخرى في قرون، الأمم التي نجحت في تكريس التداول الديموقراطي والسلمي على السلطة في إطار مدني حضاري لم تبلغ الهدف إلا بعد قرنين كفرنسا وبريطانيا وأمريكا، ما أنجزه الشعب التونسي رائع وفي وقت قياسي، فقد وضعنا المفتاح في الباب وحددنا الطريق الذي سنسلكه لتحقيق أهداف الثورة. الأهداف لن تتحقق إلا من خلال سلطة ديموقراطية قابلة للمحاسبة الشعبية وتخشى أن يسقطها الشعب في انتخابات ديموقراطية، ونعتقد أن ما حصل في أواخر 2014 من انتخابات ديموقراطية يشهد بنزاهتها ستكون البوابة لتحقيق أهداف الثورة.
عرفك الجزائريون بصرختك بن علي هرب، خارج تلك الصرخة من هو ناصر عويني؟ مناضل سياسي ونقابي يساري في الجامعة التونسية، سجين سياسي سابق وممنوع من السفر لأزيد من 7 سنوات، محامي حريات وحقوق إنسان متطوع في كل القضايا التي شهدتها المحاكم التونسية قبل 14 جانفي وبعده، والآن قيادي في الجبهة الشعبية التي تضم التجمع اليساري في تونس.
ماذا زادتك الصرخة الشهيرة "بن علي هرب"؟ تفرض عليك الشهرة.. والشهرة لها إيجابياتها وسلبياتها، وأهم شيء هو حب الناس وتعاطفهم الذي لا يقدر بثمن، وأنا لم أكن أتصور أنه وبعد تلك الصرخة صرت أينما ذهبت في تونس وخارجها يعبر لي الأشخاص عن حبهم وإعجابهم بتلك اللحظة التي تمت بتلقائية دون عفوية. قيمة المحبة التي أحوزها عند الآخر، تجعلني فخورا أني أنا، وأني كنت من صرخ تلك الصرخة، بقي أن أكشف أمرا أنه عرضت علي مبالغ طائلة ليتم التصرف بالفيديو بصيغة حصرية من جهة معينة ورفضت.
النائب الأول لرئيس مجلس الشعب مباركة لعواينية ل"الشروق": "زيادة على المشاكل الاجتماعية صرنا نواجه الإرهاب" هل تحققت أهداف الثورة؟ الوضع العام في البلاد لا يشكر، هنالك تفاقم للبطالة وللمشاكل الاجتماعية، ومع هذا وذاك عرفت تونس بعد الثورة الإرهاب وإراقة الدماء، وأصبح مشكل التونسي ليس الشغل بل الهاجس الأمني.
إذن أسباب الثورة لا تزال قائمة؟ طالما لم تتحقق المطالب الثورية كالشغل والحياة الكريمة، فالحراك لن يتوقف، وعلى السلطة الجديدة في البلاد أن تعي أن الظرف ليس مواتيا وعليها تحمل مسؤوليتها والاستجابة لمطالب المواطن.
من هو المسؤول عن الإخفاق؟ النظام القديم الذي سمى نفسه جديدا والمتمثل في حكومة الترويكا هو المسؤول، ولا أحد غيره، لقد تم انتهاج الخيارات الليبرالية والتي أنهكت المواطن البسيط، ولم تتعامل بحزم مع الملف الأمني، والآن التونسيون يواجهون إرهابا أوقع قتلى وجرحى.
إلى حد الساعة لم تتكشف حقيقة مقتل زوجك محمد البراهمي لماذا في اعتقادك؟ الكشف عن المتورطين في اغتيال الشهيد محمد البراهمي سيؤدي بالضرورة إلى سقوط رؤوس كبيرة.