أكد الأستاذ أعلية علاني، أستاذ التاريخ بجامعة منوبةالتونسية، أن المثقف التونسي واكب الحراك الذي شهدته بلاده مع بداية السنة الماضية، معترفا بأنه كان أقل وقعا من الحراك السياسي، وأعتبر أن قوة المجتمع المدني ونقص نسبة الأمية في تونس ستساعد على تجاوز المرحلة الانتقالية، وأوضح علاني الذي كان لنا لقاء معه بالمكتبة الوطنية بالحامة، على هامش معرض الجزائر الدولي ال 16 للكتاب ، أن وضع تونس يختلف عن باقي الدول الأخرى التي تعيش نفس الأحداث لاعتبارات جيواستراتيجية. الشرارة الأولى للثورات العربية انطلقت من تونس، التي حققت العديد من المكاسب والأهداف حسب المتتبعين، لكن في خضم ما حدث في بلدكم وباقي البلدان العربية، وفي خضم النقاش الدائر حول مثقف السلطة ومثقف الشعب وبين حضوره وغيابه، هل المثقف لعب دوره في وصول الأمور إلى ما هي عليه الآن؟ ما يحدث حاليا في عالمنا العربي يختلف من دولة لأخرى، لذلك نجد دور المثقف لا يخرج عن نطاق السياق العام للدولة التي ينتمي إليها، واعتقد أن دور المثقف في تونس مثلا في هذه المرحلة ليس مغيبا، إذ واكب الأحداث منذ بدايتها وساهم فيها من قريب أو بعيد، مع أنني اعترف انه لم يكن بالدرجة التي كان لابد أن يكون عليها، أي أن صوته كان خافتا نسبيا لاعتبارات عدة، خاصة وان الظرف حتم إعطاء الأولوية لترتيب البيت من جديد، أي بمعنى آخر الأجندة السياسية طغت ولم تترك للمثقفين المساحة اللازمة لإسماع صوتهم بالشكل المأمول والمطلوب، فتونس كما تعلمون تعيش على وقع نتائج انتخابات المجلس التأسيسي، والتي ستمهد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية قادمة، عندها سيتضح المشهد العام للبلاد، إذن الأجندة الانتخابية طغت وبقي المثقف ينتظر هدوء الأوضاع ووضوح الرؤية مما يجري. لكن بالعودة للوراء نجد أن المثقفين شاركوا في المظاهرات وخرجوا في مسيرات مع جموع الشباب، ورفعوا شعارات ضد النظام إلى أن أسقط، واستمروا في نشاطهم بأساليب مختلفة. ورغم غموض الوضع نوعا ما آنذاك، كان المثقف في الميدان وبقوة عبر ندوات ونقاشات حرة إعلامية تلفزية، إذاعية وعبر الصحافة المكتوبة، هذه المنابر الإعلامية التي فتحت أبوابها لكل المثقفين، بعد أن كانت مغلقة في عهد زين العابدين بن علي الذي منع ظهورهم. فقد لاحظنا مشاركة أساتذة، أدباء، كتاب وفنانين وغيرهم في برامج تلفزية وإذاعية وكتبوا مقالات عديدة، قدموا رؤيتهم للدولة المدنية وتصوراهم للمرحلة القادمة اجتماعيا، سياسيا وبطبيعة الحال ثقافيا، دون أن ننسى الندوات الفكرية التي نظمت هنا وهناك، وكلها تؤكد أن تونس دخلت عهدا جديدا مناقضا لما كانت عليه الأوضاع قبل 14 جانفي 2011. هذا العهد الجديد اتسم بتنافس محموم بين القوى والأحزاب حديثة النشأة، التي تبحث عن دخول اللعبة السياسية الجديدة، لكن ماذا عن الحراك الثقافي، هل واكب التغييرات التي طرأت على رأس هرم السلطة والدولة ككل؟ أرى أن الحراك الثقافي واكب نوعا ما الحراك السياسي، هذا لا يمنعنا من الاعتراف أن الأول كان اقل نسقا من الثاني نظرا لاختلاف الأولويات، واعتقد انه بعد اتضاح الرؤية نوعا ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 التي تمخض عنها انتخاب المجلس التأسيسي وتعيين الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة وظهور الحقائب الوزارية، سيتواصل الحراك الثقافي الذي نعتبره نحن جميعا مسألة أساسية، لأنه لا يمكن تغيير مسار سياسي دون أن تكون هناك خلفيات فكرية وأطروحات ايجابية وبمشاركة كل المثقفين وباختلاف انتماءاتهم، أي بمعنى أخر الثقافة متمم للديمقراطية السياسية، نحن نريد ثقافة تساهم في نجاح المسار الديمقراطي الذي ننشده لا ثقافة معرقلة للثورة، فالديمقراطية لن تكتمل بدون وجود نخبة مثقفة فعالة وقاعدة اجتماعية تتبنى هذا المشروع الديمقراطي، التي يجب أن تكون في مستوى التحديات وعلى مستوى عال من العلم والمعرفة. تتحدثون عن المشروع الديمقراطي وتجسيده، هل هذه الظروف الجديدة تساعد النخبة المثقفة من لعب دورها والمساهمة في هذا التحول؟ في تونس هناك مناخ ساهم في عدم انحراف الثورة عن مسارها وسيساهم في نجاحها في المرحلة القادمة، لعوامل أراها جد مهمة وأساسية، أولا نسبة الأمية في تونس هي الأقل في البلدان العربية، كذلك المجتمع التونسي مجتمع متماسك وقوي، إضافة إلى أننا في تونس متفتحون على جميع الثقافات والتيارات، ونملك ثقافة احترام الأخر، وهذا كله سيكون في صالح الثورة والتحديات المستقبلية التي تواجهها. كمثقف كيف تنظرون لمستقبل هذا الحراك في المنطقة العربية، وكيف تقيمون لحد الآن مسار الثورة التونسية؟ كما قلت كل دولة وخصوصياتها، أرى أن المثقفين المصريين تأثروا ويتأثرون برهانات بلدهم السياسية والجيواستراتيجية، فمصر تواجه تحديات داخلية وخارجية اكبر بالمقارنة مع تونس، فموقعها يحتم عليها مراعاة العديد من الأمور، فهي على بعد كيلومترات من إسرائيل، وبالتالي من المهم أن تأخد بعين الاعتبار التوازنات الجيواستراتيجية، كما أنها تواجه تحديا داخليا صعبا للغاية بحكم مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية الأكثر حدة من تونس، لهذه الأسباب وغيرها أرى انه لا خوف على الثورة التونسية وليس هناك مخاطر عليها، والقوى المضادة للثورة لن تنجح في مسعاها نظرا لخصوصية تونس التي تقل فيها التناقضات، التي نجدها في بعض الدول العربية، كما انه في بداية الثورة التونسية لم ترفع شعارات ذات صبغة دينية أو تمييزية، بحيث لاحظ الجميع أن كل الشعارات المرفوعة تطالب بالحرية والديمقراطية بعيدا عن الانتماءات الثقافية والدينية والسياسية للمتظاهرين. نحن في تونس بكل صراحة أكثر تفاؤلا للتغلب على مصاعب هذه المرحلة، فالجو الثقافي والاجتماعي وما إلى ذلك مناسب لتجاوز هذه الظروف وإنجاح الثورة. نجاح الثورة يتطلب مواجهة تحديات والمرور على مراحل يكون فيها للمجتمع المدني دور مهم، فماذا عن مكانة الجمعيات بصفة عامة والثقافية منها بصفة خاصة في تونسالجديدة؟ في تونس نجد كل الأطياف مصرة على إنجاح الثورة بإسلامييها، علمانييها، ليبرالييها، يسارييها، كلهم اتفقوا على أن تنجح بغض النظر عن انتماءاتهم وتياراتهم، لا احد يتصور الرجوع لمرحلة النظام السابق ولا وجود لمن يحن إلى عهده، فالمسألة طويت ولا عودة للوراء رغم وجود أحزاب تضم من كانوا أنصار النظام السابق، فالشعب التونسي حسم في الأمر واختار الأحزاب والتيارات التي يراها قادرة على قيادة تونس في هذه المرحلة، وكل المؤشرات والعوامل تجعلنا متفائلين بنجاح هذه الثورة، وبالتالي فهي أكثر البلدان قربا لتحقيق نتائج ايجابية، وهذا لتواجد مجتمع مدني قوي يقوم بدوره كما ينبغي عبر جهود متواصلة للتعبئة وتغطية الفجوات التي قد تظهر هنا وهناك، إذ بعد سقوط النظام السابق تم الاعتراف بأكثر من ألف جمعية، هي حاضرة وتساهم بفعالية في التوعية والتحسيس والجهد لتجنب أي انزلاقات أو مخاطر لا قدر الله، وبالتالي يمكن القول أن ظهور الأحزاب وهذا الكم الهائل من الجمعيات والمنظمات، أعطى للمجتمع المدني قوة أخرى ودفع لدعم كل المبادرات التي تسهم في إنجاح الثورة، فكل فرد من موقعه الاقتصادي السياسي الاجتماعي الثقافي أصبح يقوم بدوره الهادف لإنجاحها. الثورة التونسية كما قلتم قطعت أشواطا مهمة وتحققت الكثير من الأهداف، لكن ما يجري مثلا بمصر وليبيا واليمن وسوريا التي تعاني وتتخبط في مشاكل جمة، تضعكم تحت ضغط ومسؤولية كبرى للمحافظة على المكاسب المختلفة، لكي تكون ثورتكم بالفعل النموذج الإيجابي لهذا الحراك؟ نحن مصممون على أن تكون ثورتنا نموذجا ايجابيا، مسؤوليتنا كبيرة جدا، ولا يخفى على احد أن الثورة التونسية كانت هي المصدر الأول لكل الثورات التي جاءت فيما بعد، والتي أحببنا أو كرهنا أحرزت على إعجاب العالم كله فليس من السهل أن تحصل على انبهار وتحية الجميع، فالمسألة ليست مسألة ذاتية بل لأنها خلقت وضعا جديدا في المنطقة والعالم كله، مما يزيدنا مسؤولية لتحقيق أهداف الثورة. واعتقد أن الكثير من هذه الأهداف تحققت وسيتم استكمال ما بقي، رغم بعض المشاكل التي في رأيي طبيعية، ففي الثورات يمكن توقع أحداث مؤسفة أو انفلات أمني، ولكن لن يكون لها تأثير على مواصلة المسار الثوري، لأن التونسيين آمنوا بهذه الثورة وطووا صفحة بن علي نهائيا، وحصل اقتناع وإجماع على مواصلة الطريق، كما أنها تملك قاعدة شعبية صلبة لأنها مستمدة من إيمان جميع التونسيين ومشاعرهم، ولم تأت من مساعدة “الناتو” أو “بوش” الذي كان يدعوا للديمقراطية في الوطن العربي، وهذا هو صمام الأمان لثورتنا.