احتفل التونسيون، أمس، بالذكرى الأولى لسقوط الرئيس زين العابدين بن علي، وهو ما ألهم شعوب دول عربية أخرى للقيام بنفس الحركة الاحتجاجية على أمل تحقيق نفس النتائج. التونسيون بعد سنة من هروب بن علي، تمكنوا من انتخاب برلمان تأسيسي، وانتخبوا رئيسا شرعيا للبلاد، وهاهم يسيرون بحذر العهد الجديد.
شكوك وتوازنات هشة بعد مرور سنة على الثورة الإسلاميون أمام امتحان السلطة الفعلية بعد مرور سنة على ثورة الشارع التونسي الذي أزاح نظام الرئيس زين العابدين بن علي، بعد 23 سنة من حكم شبه مطلق، تظل نقاط الظل سياسيا واقتصاديا قائمة، في ظل بروز تحالفات براغماتية فرضها الظرف الجديد، لكنها قابلة للانفراط في أية لحظة بحكم التحديات التي تواجه النموذج السياسي التونسي الجديد. تتمحور الخارطة السياسية التونسيةالجديدة حول ثلاث قوى وتيارات لا تمتلك في الجوهر نقاط تقاطع والتقاء من الناحية السياسية والإيديولوجية، ولكنها مجبرة على التعايش وتبني الواقعية السياسية إلى حين. فهنالك حزب النهضة بمختلف التيارات الداخلية الذي حاز على 89 مقعدا في البرلمان بأكثر من 5,1 مليون صوت والذي يعرف سجالا داخليا بين توجهاته المختلفة، ونجد على اليسار منه حزب ''المؤتمر من أجل الجمهورية'' الذي حصد 29 مقعدا بأقل من 350 ألف صوت والذي يجسده أساسا الرئيس الحالي منصف المرزوقي الذي استثمر ماضيه السياسي كمعارض للنظام، وأخيرا التكتل أو المنتدى الديمقراطي للعمل والحريات ب20 مقعدا وبقرابة 249 ألف صوت، الذي يبقى على اليمين تقريبا والذي يكرس توجهاته مصطفى بن جعفر كأهم رموزه. وهذه القوى تشكل الأغلبية التي أوكلت لها مهمة تسيير مرحلة انتقالية حرجة في ظل وضع اقتصادي صعب داخليا ووضع إقليمي متوتر. وفي هذا السياق، تواجه حكومة الجبالي الائتلافية المشكلة أساسا من حزب النهضة تحديات كبيرة، وهي مطالبة بتقديم إجابات سريعة وتوجيه رسائل مطمئنة داخليا وخارجيا. كما يواجه النظام الجديد بواجهتيه الرئيسيتين المرزوقي والغنوشي عدة تحديات، ابتداء بالاختراق الأمني نتيجة الحرب في ليبيا التي تعتبر من أهم منافذ الاقتصاد التونسي، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي. ولكن أيضا تسيير تركة ومخلفات الثورة التي قدرت خسائرها بقرابة ملياري دولار، أي في حدود 5 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وارتداداتها مع عدم الاستقرار الداخلي الذي أثر سلبا في القطاع السياحي بصورة معتبرة. علما بأن القطاع السياحي يمثل على الأقل 5,6 بالمائة من الناتج المحلي الخام خصوصا وأن تونس كانت تستقطب حوالي 6 ملايين سائح سنويا. كما أن الوضع الاقتصادي العام لتونس لم يعد بالضرورة في خانة اللون الأخضر، مع توقف جزء من النسيج الصناعي والكشف عن مديونية عمومية داخلية وخارجية تقارب الناتج المحلي الخام المقدر في حدود 39 مليار دولار. فالديون الخارجية التونسية بلغت 18 مليار دولار والدين العمومي الداخلي قدر بحوالي 50 بالمائة من الناتج المحلي. ورغم بعض المساعي التي أثمرت إلغاء جزء بسيط من المديونية التونسية، مثلما قامت به ألمانيا وفرنسا، والدعم المقدم من قبل بعض البلدان مثل الجزائر التي قدمت 100 مليون دولار، فإن الوضعية الاقتصادية لا تزال أحد أهم التحديات خاصة مع الحاجيات الكثيرة للسكان، والأمل الذي تضعه الفئات الفقيرة والطبقات المتوسطة في النظام الجديد، مع انكشاف واقع التناقضات التي أفرزها نظام الحكم السابق في تونس على خلفية ''التجربة الاقتصادية الرائدة'' والنموذج الاقتصادي التونسي. وفي الوقت الذي يعتبر المراقبون للشأن التونسي بأن شخصية المرزوقي هي صمام الأمان والضمان للنظام التونسي الجديد، فإن هذا النظام سيتعامل مع أرض ملغمة، خاصة وأن تركة بن علي لا تزال قائمة في الإدارة والهيئات والمؤسسات وبقايا البيروقراطية، لأن الشبكات التي أقامها بن علي خلال 23 سنة من الحكم لا يمكن إلغاؤها في ظرف زمني قصير، خاصة مع إعادة رسكلة وإدماج العديد من الكوادر في تشكيلات سياسية أخرى. كما أن حركة النهضة ذاتها ستواجه رهانات قاعدتها التي تتعدد فيها التوجهات، يضاف إليها التيار السلفي المتنامي في الشارع التونسي، والذي بدأ يحتك ببعض القوى السياسية التي تعتبر تموقعه ورقة ضغط ومحاولة التفاف على مكاسب الثورة الجديدة. القيادي في حركة النهضة التونسية صادق شورو ل''الخبر'' الجيش التونسي مع الثورة وليس مع اللائكيين الشعب أجهض محاولة تمرد أمني على قرار وزير الداخلية لن نغير القوانين المتعلقة بالسياحة والفن قال القيادي في حركة النهضة التونسية، صادق شورو، في حوار مع ''الخبر''، إن الثورة التونسية تمكنت من الخروج بنجاح من المرحلة الانتقالية والدخول في مرحلة الاستقرار، بفضل دعم الجيش للثورة والصيغة التوافقية التي توصلت إليها مختلف التيارات المشكلة لها، لكنه أكد أن الثورة الحقيقية لديها أهداف أكبر، أبرزها إعادة صياغة المجتمع التونسي في جميع المجالات سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. ماذا حققت الثورة التونسية بعد مرور عام على هروب بن علي؟ للثورة التونسية أهداف كبيرة وكثيرة، ولا يمكن أن تحقق كل هذه الأهداف في عام، ولكن تم تحقيق بعض هذه الأهداف، لأن الثورة الحقيقية تبدأ بعد سقوط الطاغية، لأنها تعني تغيير الأوضاع السياسية والثقافية والاقتصادية، ونحن خطونا خطوة نحو التغيير السياسي، حيث أجرينا انتخابات أفرزت مجلسا تأسيسيا وتم اختيار رئيس للجمهورية وحكومة ائتلافية مهمتها صياغة دستور جديد للبلاد، وبعد عام سنكون قد وضعنا دستورا للبلاد. ماذا لم تحقق الثورة التونسية من أهداف بعد؟ في ظرف عام لا يمكن أن تحقق كل شيء لأن الثورة الحقيقية تعني إعادة صياغة مجتمع في جميع النواحي، فمشكل البطالة مثلا وتنمية الجنوب الغربي والجنوب يحتاج إلى وقت، وكذلك الأمر بالنسبة لإصلاح المنظومات الأمنية والقضائية والثقافية والتربية والتعليم، فقطف الثمار يتطلب وقتا. ما هي الأخطار المحدقة بالثورة، وهل بإمكان القوى الأمنية والعسكرية الانقلاب على الثورة مثلا؟ الجيش التونسي قام بدور كبير في حماية الثورة ولا يمكن أن يكون خطرا على الثورة، ولكن الخطر كامن من بقايا النظام السابق سواء في الإدارة أو من رجال الأعمال الذين بإمكانهم تعطيل الثورة، ولكنهم غير قادرين على تهديدها وإجهاضها. لكن هناك من يرى أن التيارات العلمانية واليسارية تنتظر وقوع الإسلاميين في أخطاء في الحكم حتى ينقلبوا على الثورة؟ العمل الشعبي ضمان كبير لصد أي منفذ لإحباط الثورة. فالتيارات اليسارية واللائكية تسعى لوضع العراقيل أمام الحكومة، لكن الواقع أثبت أن هذه التيارات لا يمكنها أن تصل إلى أهدافها، فالشعب وقف مع الحكومة عندما حدث تمرد عناصر من الأمن على قرار وزير الداخلية بتغيير مدير وحدات الأمن، فتظاهر الشعب يوم الأربعاء الماضي وأجهض التمرد ودعم قرار وزير الداخلية وأكد على التأييد الشعبي للحكومة، أما الجيش فهو مع الثورة وليس مساندا للائكيين. رغم أن الثورة التونسية رفعت شعار الحرية، إلا أن هناك تجاذبات كثيرة حول مفهوم الحرية، خاصة بين السلفيين واللائكيين. فكيف تتعامل الحكومة مع هذه التناقضات؟ الشعب التونسي تيارات مختلفة والحكومة في تقديرنا لن تتدخل في بعض الحقوق والحريات الفردية، وليس في نيتها أن تفرض قوانين صارمة. ولكن المسائل المتعلقة بالحريات تتم بالحوار واحترام الرأي الآخر، فلن نغير القوانين المتعلقة بالسياحة والفن مثلا، ولكن هذه الأمور متروكة للمجتمع وحتى لحركة النهضة كحزب كي تقنع الناس برؤيتها. ما سر سرعة الثورة التونسية في وضع قاطرتها على السكة مقارنة بالثورتين المصرية والليبية؟ الثورة في تونس مؤيدة من الجيش وتوخت الحوار بين تياراتها المختلفة بعد سقوط النظام، واستطاعت الخروج من الفترة الانتقالية إلى فترة الاستقرار، بينما الثورة في ليبيا حدثت فيها مواجهة مسلحة، وبالتالي دخلت في الفوضى، أما الثورة في مصر فلم يكن الجيش مؤيدا لها بشكل تام، بل تدخل في توجيهها، أما في تونس فتوصلنا إلى صيغة توافقية وهي التي حققت نجاح المرحلة الانتقالية. الجزائر: حاوره مصطفى دالع الأمين العام لحزب التجديد التونسي أحمد إبراهيم ل''الخبر'' ''معركتنا المقبلة لترسيخ ديمقراطية تونس تتعلق بصياغة الدستور'' أكد السيد أحمد إبراهيم، الأمين العام لحزب التجديد التونسي، في اتصال مع ''الخبر''، أن الديمقراطية في تونس تسير في الاتجاه الصحيح بعد سنة من إسقاط نظام بن علي، حتى وإن كانت هناك مؤشرات لا تبعث على الارتياح، في إشارة إلى صعود التيار الإسلامي وسعي بعض أطرافه إلى التضييق على الحريات. كيف تقيمون سنة من الممارسة الديمقراطية في تونس بعد إسقاط النظام الديكتاتوري؟ بشكل عام يمكن القول إن تونس حققت خطوات جد إيجابية في طريق الديمقراطية الناشئة، باعتبار أننا تخلصنا من ممارسات النظام البائد، وقد سمح المجلس التأسيسي بإعطاء الكلمة للشعب التونسي، ونحن اليوم بصدد استكمال هذا المسار الديمقراطي من خلال بناء مؤسسات ديمقراطية مدنية تحترم الحريات الفردية. وفي اعتقادنا أن أهم المنجزات تكمن في إحداث قطيعة جذرية مع ممارسات العهد القديم، مع العلم أنه ما زال الطريق أمامنا طويلا وهناك من التحديات الكبيرة الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من ظهور بعض المؤشرات المخيفة التي تهدد الحريات، إلا أننا نسعى إلى كسب معركة الدستور وحتمية احترامه للحريات. تحدثتم عن مؤشرات تهدد الحريات، تقصدون صعود التيار الإسلامي وفشل القطب الديمقراطي؟ نحن لا نسميه فشلا، الديمقراطيون في تونس لم يفشلوا، لكن ما حدث أن التيار الإسلامي استفاد من الظرف واستطاع تحقيق الفوز في الانتخابات، وهذا ما خلق اختلالا في توازن القوى على حساب الديمقراطيين، هذا لا يعني أن القطب الديمقراطي غائب من هذه المرحلة، على العكس نحن في الوقت الحاضر نسعى لتوحيد صف الديمقراطيين من أجل الاستعداد لتحديد صياغة الدستور الذي نرجوه في الآجال المتفق عليها أي في غضون سنة. حاورته من الجزائر: سامية بلقاضي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي مية الجريبي ل''الخبر'' ''نطالب بصلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية حتى يحدث التوازن'' اعتبرت السيدة مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس، أن أهم مكسب حققته الثورة التونسية بمناسبة مرور سنة عليها، هو تحقيق الحرية، منتقدة سعي ''الدستور الصغير''، على حد وصفها، إلى تكثيف السلطات في يد رئيس الوزراء على حساب رئيس الجمهورية. وقالت مية الجريبي، في اتصال مع ''الخبر''، والتي أعلنت عن دمج حزبها مع حزب ''آفاق تونس'' والحزب الجمهوري في إطار حزب موحد بمناسبة انعقاد المؤتمر المقبل للتقدمي أيام 17 و18 و19 مارس القادم، أن ''ثورة 14 جانفي حققت الحرية التي ستؤسس للديمقراطية''. وأوضحت الجريبي أن ''التونسيين لم يحققوا بعد الديمقراطية ولكنهم على سكة بنائها، كما أنهم وصلوا إلى نقطة اللارجوع في هذا الأمر''. أما بالنسبة لتقييمها للوضع السياسي في تونس ما بعد بن علي، فسجلت الأمينة العامة بقولها: ''هناك نزعة هيمنة لدى الطرف الحاكم الآن، وهو يسعى لتكثيف السلطات في يد واحدة''. وسألت ''الخبر'' السيدة الجريبي من تقصد بالتحديد، فأجابت أن ''هناك صراعا يراد من ورائه تكثيف السلطات في أيدي رئيس الوزراء''. مضيفة بقولها: ''أنا لم أقل أن لدينا مشاكل مع رئيس الوزراء، ولكننا لاحظنا نزعة هيمنة تجسدت من خلال صياغة (الدستور الصغير) من طرف الأغلبية الحاكمة ممثلة في حركة النهضة وحزب التكتل وحزب المؤتمر''. و أعلنت م الجريبي عن نضال حزبها لمنح صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية، من منطلق خلق التوازن في الصلاحيات، وهو ما يجري نقاش بشأنه منذ مدة ''. الجزائر: رمضان بلعمري