يعيش الجزائريون يوميا الضوضاء، الإزعاج والمضايقات في الطرق والأزقة والأماكن العامة، لدرجة أن الأمر بات مألوفا لديهم، حيث استشرت الظاهرة في المجتمع رغم أن القانون الجزائري جرّم هذه التصرفات وحدد عقوبتها في المادة التي تنصّ عن جنحة الإخلال بالنظام العام. يؤكد البروفسور جمال الدين نيبوش رئيس مصلحة طب القلب بمستشفى نفيسة حمود، أن 50 ٪ من حالات الإصابة بالضغط الدموي وأمراض نقص ضخ الدم للقلب ونقص النوم تسببها الضجيج وحالة القلق التي تفرضها المدينة نتيجة أبواق السيارات وأصوات الباعة المتجوّلين والأسواق الفوضوية والآلات المزعجة. وفي هذا السياق، أكد البروفسور محمد تجيزة رئيس مصلحة الأمراض العقلية بدريد حسين، أن مصلحته تستقبل شهريا 12 حالة انهيارات عصبية نتيجة الضجيج والأصوات المرتفعة وتطورت بتأثير الضغط، وأن 5 ٪ من الإمراض العقلية التي تعالج في دريد حسين ناجمة عن اختلال الجهاز الحلزوني للأذنين.
محام: "لوائح وقوانين الإخلال بالنظام العام حبر على ورق" ويرى أصحاب الجبة السوداء أن أغلب الجزائريين يجهلون القانون الخاص بالنظام العام وجعل من حالة الفوضى والضوضاء أمرا اعتياديا في الوقت الذي وقعت جرائم بسبب هذا الضجيج، حيث قال المحامي لدى المحكمة العليا خالد برغل إن اللوائح والأنظمة موجودة لكن أصبحت لا يعار لها الاهتمام من طرف المواطن والسلطات، موضحا أن الإخلال بالنظام العام يتطلب مكافحة الضوضاء المقلقة للراحة والناشئة عن المكبرات الصوتية وأبواق السيارات وأصوات الباعة المتجوّلين والذين يستعملون المكبرات الصوتية للبيع في الطرق، وأصوات الآلات المزعجة في المصانع والمحال والورشات، وأصوات المذياع والتسجيلات الصوتية. ويؤكد أن تحقيق السكينة بات امرأ مستحيلا رغم وجود قوانين لذلك، لأن الفوضى والضجيج اعتاد عليها الجزائريين، مشيرا أن العدالة عالجت قضايا قتل واعتداءات مميتة نتجت عن تصرفات إزعاج الأشخاص بدرجات نارية أو الأعراس أو أصوات شجارات السكارى ليلا.
حنطابلي: الجزائريون لا يعيشون في فضاء منسجم أكد يوسف حنطابلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن رمزية الفضاء العمومي افتقدها الجزائريون في ظل الضوضاء والضجيج الذي تعيشه المدن، حيث أصبحوا يتحركون في هذا الفضاء دون الشعور بضوابطه. وقال إن العلاقة بين الجزائري والفضاء العمومي غير منسجمة، لأن المدينة -حسبه- يكمل دورها في مراعاة أخلاقيات وقواعد العيش داخل الحي. ويضيف: "التمدن لا يعني العيش في المدينة بل هو مراعاة شروط وقواعد المدينة، وليس بالضرورة تطبيق أمور قانونية"، لأن -حسبه- هناك التزامات معنوية.