يقول الشيخ العلامة ابن باديس في صحيفة "الشهاب": "كانت عبادة الأوثان في الجاهلية بالخضوع والتدلّل لها، ورجاء النفع وخوف الضرّ منها، والناس اليوم طوائف كثيرة لها أشجار وأحجار تسميها بأسماء وتذكرها بالتعظيم وتذبح عندها الذبائح وتتمسح بها وتتمرغ عليها مثل فعل الجاهلية وتزيد، يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى يعبد الأوثان، هذا كله واقع في الأمة لا شك فيه، ولو أن الأمة سمعت صيحات الإنكار من كل ذي علم، لأقلعت عن ضلالها ورجعت إلى رشدها، فما أسعد من نصحها من أهل العلم، وجاهد لإنقاذها، وما أشقى من غشها وزادها رسوخا في ضلالها وتماديا في هلاكها"، ويختم الشيخ مقاله بالقول: "إن عهد الغش والخديعة قد أذن بالذهاب وإن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب". فاجأت بلدية قسنطينة، أهل المدينة وزوارها، بتمثال في منتهى "البشاعة" لرائد النهضة الفكرية الشيخ عبد الحميد بن باديس، وكانت قد أعلنت قبل أيام عن مفاجأة سارة لسكان المدينة الذين أذهلهم أولا ذوق المسؤولين لأن التمثال من الناحية الجمالية سيء للغاية، وبدا حذاؤه الضخم، وكأنه حذاء الطنبوري الشهير في قصص بغداد، وقيل بأن تكلفته فاقت الثلاثة ملايير وتم إنجازه من طرف نحات برتغالي، توسط له أحد البنائين البرتغاليين الذين اشتغلوا في الفترة الأخيرة في ترميم بعض البنايات في قلب مدينة قسنطينة، ناهيك عن صغر التمثال الذي من المفروض أن يدشنه الوزير الأول عبد المالك سلال اليوم الخميس، والمادة التي صنع بها بالرغم من أن الجزائر تمتلك أحسن أنواع الرخام على المستوى العالمي، الموجود في فلفلة بولاية سكيكدة، وهو رخام موجود حتى في البيت الأبيض في واشنطن، أما الطامة الكبرى فكون الذين اقترحوا إقامة تمثال للشيخ عبد الحميد بن باديس لا يعلمون بأن تمثالا قد أقيم له في شهر ماي من عام 2001 وتم تفادي وضعه في الساحة العمومية بعد تدخل بعض العارفين لمناقب الشيخ، لأن العلامة نفسه كان ضد إقامة التماثيل لأي شخص مهما كانت مرتبته. وإذا كان الشيخ قد جاهد لأجل عدم تعظيم القبور وما شابه ذلك من تماثيل محاربة للطرقيين في ذلك الوقت، فإن القارئ بإمكانه قراءة ما يوضح تحريم الشيخ بن باديس لإقامة التماثيل بصريح العبارة في الصفحة 238 من الجزء الثاني من كتاب بن باديس حياته وآثاره، للدكتور عمار طالبي، حيث شرح رأيه في التماثيل بالقول: "إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة". ويشرح الشيخ عبد الحميد بن باديس بإسهاب فيقول: "فكانوا بسبب فعلهم من بناء المساجد على القبور، ونحتهم للصور شرار الخلق عند الله، وذلك لأن القبر المعظم ببناء المسجد عليه، والصورة المعظمة لتمثيلها ذلك الصالح، يصيران مما يعبد ويعتقد فيه النفع والشر والعطاء والمنع، وجاء في صحيح البخاري أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا التي كانت أصناما لقوم نوح، وعبدتها العرب من بعدهم، كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أقاموا في مجالسهم التي كانوا يجلسون، تماثيلا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك الذي نصبوها فعبدت من بعدهم، فعلم من هذا أن ما يكون موضوعا في أصله، يقصد حسن، يمنع وينهى عنه إذا كان يؤدي بعد ذلك إلى مفسدة. هذا كلام بن باديس الشيخ السلفي كما كان يسمي نفسه، حرفيا من دون تعليق ولا تأويل، ولا يحتاج لرأي العلماء ويبقى التمثال كعمل فني رديء جدا لا يستحق المبلغ الذي صُرف عليه، ولا يوحي بأنه الشيخ بن باديس حيث رسم النحات تجاعيد على وجه رجل كان نيّرا، ومات قبل دخوله الشيخوخة في سن الخمسين فقط، كما نحت شعرا غارقا في الشيب وقد مات بن باديس ولم تكن شعرة بيضاء في رأسه كما أكد شقيقه الأستاذ عبد الحق بن باديس الذي يبلغ من العمر حاليا 95 سنة.