ربما ننتبه إلى أننا نستورد السلع المغشوشة والبضاعة الملوثة، وأدوات العمل غير الصالحة للاستعمال وما إلى ذلك من السلع المادية الفاقدة أو منتهية الصلاحية.. إلا أننا نادرا ما ننتبه إلى استيراد الدراسات المغشوشة والأفكار الملوّثة ومناهج العمل غير الصالحة للاستعمال وما إلى ذلك من "المنتوجات الفكرية" الفاقدة أو منتهية الصلاحية.. رغم أن استيراد الأولى هو نتيجة استيراد الثانية وليس العكس. لولا الأفكار والعقول الملوثة لما استوردنا باقي السلع والخدمات المادية الفاسدة. المشكلة بالأساس هي إذن في مستوى الأفكار وليست في مستوى الأشياء على حد تعبير مفكرنا الكبير مالك بن نبي رحمه الله. ما ملأنا به عقولنا من شبه أفكار ملوثة هو الذي لوث سلعنا وحياتنا وبطوننا وبيئتنا وليس العكس. وليتنا ما ملأناها بذلك وتركناها فارغة بلا أفكار، ذلك أن الإناء الجافّ أقل خطورة على صاحبه من الإناء الذي به ماء ملوث. وكم هو اليوم إناء أفكارنا ملوث، ونحن نعيش يوم الطالب الجامعي.. كم هي كمية الفكر النقي لدى هذا الطالب؟ بل كم هي المساحة التي تُركت له من فكره ليبقى نقيا؟ السياسة المتبعة تجاهه منذ نعومة أظافره، لا ترعاه لكي يتشكل بعقل مصنوع بطريقة جيدة، بقدر ما تعمل لكي يكبر بعقل مملوء، محشوّ بكل شيء إلا بالأفكار أو القدرة على الإبداع إلا ما ندر. كل المحيط الذي تربّى فيه أبناؤنا لا يساعد إلا على تطاير الأفكار من عقولهم ليحل محلها التلوث وخردوات الفكر تماما كما تحل خردوات السلع في سوقنا بالجملة. لذلك لا نجد صعوبة اليوم في رؤية خردوات الفكر منتشرة بجامعاتنا ومعاهدنا تهدد حياتنا أكثر من خردوات المتاجر والمحلات المنتشرة بأسواقنا ومدننا. ولعل هذا ما جعلنا نُدفع دفعا، طلبة وأساتذة، للدخول إلى سوق الخردة الفكرية والعلمية نتيجة بقاء الخردة السياسية مهيمنة على الجميع. ولا بديل لنا في هذا اليوم، تيمّنا بروح شهدائنا من الطلبة رحمهم الله، سوى أن نأمل ممن بقي من الطلائع الفكرية بعيدا عن التلوث الفكري ومن لم يدخل بعد سوق الخردة الفكرية والسياسية، أو خرج منها سالما، أن يعملوا جميعا على إزالة الغشاوة المضروبة على أعيننا، كما أزال الشهداء أقرانهم ذات يوم غشاوة الاستعمار عنا، وأبصرنا النور إلى حين.. وتكفي هذه المهمة لهم لتُصبح لدى طلبتنا قضية كما كانت لأقرانهم ذات يوم، الحرية قضية، وانتصروا فيها.