بينما كانت دولة طالبان البدائية الفقيرة محاصرة يقاطعها الجميع، تدير دولة من قرابة 30 مليون نسمة بميزانية لا تزيد عن 80 مليون دولار، وأرادت أن تلفت أنظار الأشقاء من المسلمين بتوجيه فؤوس الهدم للتماثيل البوذية، قامت القائمة، وتحركت اليونيسكو لشجب "همجية" طالبان و"ظلاميتها"، تستحلب سخط العالم ضد دولة طالبان الناشئة عن حرب مدمرة مع امبراطورية الشر السوفييتية. لكن الذي صدم وقتها كثيرا من المسلمين، خروج تنظيم علماء المسلمين عن صمته، بتشكيل وفد من كبار مشايخه يريد "الشفاعة" لتمثالي بودة، وهو الذي سكت أمام حالات إبادة لا تحصى تعرض لها المسلمون في مواطن كثيرة، ولم يحرك ساكنا في اتجاه تحريض أكثر من مليار مسلم على دعم ومساعدة أشقائهم الأفغان في تدبير القوت اليومي. الحالة تكررت مرة أخرى هذه الأيام، بعد سيطرة قوات "داعش" على مدينة تدمر السورية الأثرية، بخروج مديرة اليونيسكو عن الصمت، ومحاولة استنهاض همة المجموعة الدولية لإنقاذ الآثار السورية في تدمر، وهي التي لم تقل كلمة واحدة حين كان المحتل الأمريكي يستبيح متاحف العراق، وينهب آثاره على نطاق صناعي، ولم تحرك المنظمة من أجل إعادة آثار الحضارات العريقة التي نهبها الغرب بالجملة زمن الاستعمار. ومرة أخرى يصعب على المسلم، المصدوم يوميا بصور الدمار والقتل المنهجي للمسلمين في كل مكان من المعمورة، أن يتفهم أو يستسيغ خروج مؤسسة الأزهر الشريف عن الصمت، لتشجب بقوة وحزم جريمة لم تكن قد حصلت بعد في تدمر وقد لا تحصل، فيما تسكت عن القتل المتواصل للمواطن المصري في رمال سيناء، أو في طوابير الإعدام بالجملة التي يصدرها اليوم القضاء المصري، ويزكيها مفتي الجمهورية. وعلى ما يبدو، فإن المسلمين لم يبتلوا فقط بنخب سياسية تتعاطى كل أنواع الجرائم المنظمة بأدوات الدولة، ولا بنخب فكرية ثقافية وإعلامية تحولت إلى أدوات مستأجرة لهدم كيانات المسلمين ووجدانهم، بل قد سبقهم إلى هذا المنكر الطائفة البارزة "المرئية" من نخبهم الروحية والدينية، حتى إن أعظم مرجع للمسلمين من شيعة العراق، رأيناه يجتهد طوال سنوات الغزو الأمريكي ثم الاحتلال لتثبيط العراقيين الشيعة عن مقاومة المحتل، لكنه لم يتردد لحظة واحدة في إعلان النفير العام وتحشيد الشيعة للجهاد ضد "الدولة الإسلامية" ومثله فعل مشايخ الحرمين الشريفين، الساكتون منذ عقود عن جرائم الكيان الصهيوني، فيما سارعوا إلى استنهاض الهمم لدعم "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين، ولن يمنع الخراب الطائفي والمذهبي المتصاعد أن تتوحد غدا كلمة مراجع السنة، والشيعة، والزيدية، والدروز، والنصيرين، لشجب جريمة تدمير آثار. أخشى على هذه الطائفة المتخفية تحت عمائم كاذبة، أن يفاجئها تنظيم "داعش" إن كان يملك ذرة من المكر السياسي بتنظيم "رحلة اطمئنان وشفاعة" على أحجار الأولين، للمخلفة من عمائم الطوائف أجمعين، ثم يفتح ممرا آمنا لحكومة دمشق تستكمل عملية ترحيل أعمدة تدمر، كما حرصت على ترحيل ما خفي من تماثيلها قبل الانسحاب، وتركت أهل تدمر لمصيرهم المجهول.