...عجوز في الستين من عمرها، جاءت من ضواحي تنس بولاية الشلف مرفوقة بابنتها وزوجها إلى مستشفى برج منايل ببومرداس، يبدو أنها بكت طيلة الطريق بعد بلوغها أن صغيرها يكون قد أصيب في اعتداء يسر بعدما بث الخبر في القنوات الفضائية، اتصلت به، لكنه لم يكن يرد، كانت شاحبة جدا ولا تقوى على السير متكئة على ابنتها.. اتجهوا إلى مدخل المستشفى للاستفسار عن مصير الولد. * قال الشاب زوج ابنتها "صديقي عون حماية مدنية يعمل ببومرداس، هو الذي أبلغنا وقال لنا إنهم حولوه إلى هذا المستشفى". * وتم استقبالهم على مستوى الإدارة بلطف، في حين كانت العجوز في الخارج، تبكي بحرقة "يا ربي لا لا.. ما تحرقنيش..هذا عواشر" ..اقتربت منها..أمام أم مفجوعة، عجزت عن سؤالها وطلبت منها أن تكثر الدعاء... تمسح دموعها "هو المازوزي.. يتيم، لكنه طفل صالح ومصلي تخرّج هذه السنة وحضرت حفل مناقشته المذكرة..كنت فخورة.. تصمت وتمسح دموعها وهي تمسح صدرها كأنه يؤلمها بشدة وحرقة.. قال لي "يا يما أريد أن أصبح جدارمي وأريد دعواتك لي ومباركتك"..قلت له "إياك أن تعصي الله وتكون حڤار.. وأمس (قصد أول أمس) ذهب للمبيت عند أخته المتزوجة في الرغاية لقرب المكان وهو خارج طلب مني أن أدعو له بالتوفيق"... * في تلك الأثناء، تصل ابنتها وهي تصرخ .. يما الحمد لله سلك.. وأجهشت بالبكاء وتتجه العائلة رفقة الإداري الذي كان مكلفا بقائمة الضحايا، وبدا جميع العمال في المستشفى متفهمين وإنسانيين ومتضامنين إلى حد إعطاء هواتفهم للجرحى لطمأنة عائلاتهم. * تسرع الأم باتجاه السرير الذي يرقد فيه صغيرها..تقبل قدميه ويديه وكل مكان من جسده وكان هو يبكي في صمت "ما بيا والو"، لكنه كان يخفي ألم الصدمة.. واختصرت الأم المفجوعة الواقعة "يا بنتي حرقونا في شعبان ..أنا كنت صايمة..ربي وكيلهم..ربي وكيلهم ..إنهم ليسوا مسلمين..حاشى لله". * لكن كم من أم ستفجع لاحقا في فلذات أكبادها الذين لن يقضوا شهر الصيام معها.. في مستشفى برج منايل، كان يرقد الجرحى، لم نتمكن من الحديث الى شابة بسبب فقدانها السمع وبدت مصدومة جدا. * في إحدى القاعات، كان السيد بوبري ينام رفقة زوجته ووالدته، هو صاحب الفيلا المجاورة للمدرسة يقول "أديت صلاة الفجر وعدت للنوم قبل أن أسمع هزة قوية وسقط سقف الغرفة وتناثر الأثاث .. كان شيئا رهيبا جدا، أطفالي لم يكونوا في البيت وابنتي الوحيدة نجت بأعجوبة وأدركت لاحقا أنها عملية انتحارية عندما سمعت رجال الدرك يصرخون والناس "كان أمرا رهيبا.. ورأيت رؤوسا وجثثا عارية مفحمة وأطراف أجساد..لا أستطيع.. كان المنظر بشعا الموتى هم ذراري (يقصد المترشحين).. ربي يرحمهم. * بلحاج بوعبد الله من ولاية غليزان، كان ممددا على السرير، حاصل على شهادة ليسانس في الرياضة وجاء لاجتياز الفحص النفسي يومي 19 و20 أوت الجاري "كنت في المقهى المجاور على بعد 100 متر..لم أر شيئا ولم ألاحظ ما يثير الانتباه قبل أن يدوي انفجار قوي.. غبار وحريق وكانت أمامي جثث ولم أستفق إلا وأنا في المستشفى". * * شاب استفسر من دركي وتسلل بيننا.. أعتقد أنه الانتحاري الثاني بحزام ناسف * محمدي محمد جاء من ولاية المسيلة، تعرض لإصابات على مستوى الوجه والقدمين بسبب شظايا الانفجار، هو أيضا جاء في نفس الإطار "كنت واقفا في الصف قبل أن تنسفني ريح قوية ولم أستفق إلا وأنا في المستشفى". * شاب من ولاية جيجل طلب الإئتمان على هويته، قال إنه "جاء في الصباح الباكر وأخذ له مكانا في الصف ولاحظ شابا اقترب من الدركي المتواجد أمام البوابة يستفسر منه شيئا ورأيته بعدها يتحدث في الهاتف قبل أن يأخذ له مكانا في الصف، ثوان فقط تقدمت سيارة باتجاه المدخل وأسمع انفجارا قويا جدا.. قيل لي إن انتحاريا بحزام ناسف كان بيننا، بينما انتحاري بسيارة مفخخة صدم المدخل.. لا أذكر شيئا بعدها...". * و كشف مصدر من إدارة مستشفى برج منايل أنه توجد على مستوى مصلحة حفظ الجثث بهذا المستشفى 7 جثث تجهل هويتها، منها جثة لعجوز في الستين من عمرها كانت مارة ساعة الانفجار بعين المكان، كما تم تحويل 34 جريحا الى هذا المستشفى أغلبهم من المترشحين بالمدرسة العليا للدرك. * وسجلت وفيات للجرحى داخل سيارات الإسعاف منها حالة تم تحويلها الى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى الثنية، فيما تم تحويل أغلب الجثث الى مصلحة حفظ الجثث بمقبرة العالية بالعاصمة.