كانت الساحة المقابلة لمصلحة حفظ الجثث بمقبرة "العالية" شرق العاصمة الأربعاء، مكتظة عن آخرها في ظل توافد عائلات ضحايا مجزرة يسر ببومرداس الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن، حسب ما كانت تشير إليه لوحات ترقيم السيارات المتوقفة أمام المدخل، وعلمنا لاحقا أن عديدا من الأقارب والجيران هم الذين تكفلوا بنقل عائلات الضحايا إلى المستشفيات ومصلحة حفظ الجثث متطوعين. * وكان أغلب هؤلاء آباء وأشقاء وأعمام الضحايا الذين تنقلوا أول أمس، مباشرة بعد إبلاغهم بوقوع اعتداء انتحاري على المدرسة العليا للدرك بيسر ببومرداس، ليبدأوا رحلة ماراطونية عبر مستشفيات برج منايل، الثنية، تيزي وزو، الأخضرية، قبل أن تنتهي بمصلحة حفظ الجثث بمقبرة العالية التي حولت إليها أغلب جثث الضحايا الذين أخذت صور لهم، وتم عرضها على السائلين من أهاليهم الذين تمكنوا من التعرف عليها، إضافة إلى وثائقهم وبعض ملابسهم، كما كان بعض الآباء يخضعون لتحاليل "الآي دي آن" على مستوى المصلحة لتحديد هوية الجثث العديدة التي لم يتم التعرف عليها بعد عند وصولنا إلى هناك صبيحة أمس، حيث لفتت انتباهنا الإجراءات الأمنية على مستوى المدخل والمصلحة بعد غلق الباب الرئيسي ومنع أي مواطن من الدخول. * * حاولنا الاتصال برئيس المصلحة الذي كان في الحديقة من أجل الاستفسار عن الإجراءات، خاصة في ظل احتجاج العائلات من العراقيل وطول الإجراءات، لكنه رفض لقاءنا (...). * * بحث في فائدة ولد عباس.. نواب البرلمان وعائلات الضحايا مستاءة * * في الخارج، كانت أشعة الشمس لافحة، قال لنا أهالي الضحايا وأغلبهم من المترشحين للانتساب لجهاز الدرك الوطني، أنهم قضوا الليل هنا في المقبرة وسط القبور والأحراش بعد أن قضوا ساعات النهار في البحث عن مصيرهم، بينما كان آخرون قد وصلوا الى العاصمة بعد منتصف الليل وأغلبهم كانت أعينهم محمرة من شدة البكاء والإرهاق، كما أنهم لم يتناولوا شيئا باستثناء فنجان قهوة. * عائلة ضحية من ولاية تلمسان انفجر مستاء عند اقترابنا منه "نحن مهملون لا أحد يدرك مأساتنا.. ما نريده فقط إعطاءنا جثة ابننا لنتمكن من دفنها..علاش هذا الحڤرة". وتدخل آخر من ولاية باتنة ليتساءل عن هذه العراقيل بعد التعرف على هوية فقيدهم "الحرارة لافحة ولم يزرنا أي مسؤول ولم يعطونا حتى قارورة ماء .. يا أختي نحن فقدنا رجالا..." وانفجر باكيا "كبدتنا محروقة وما رحموناش". * وكانت سيارات الإسعاف تصل أحيانا محملة بجثث بعض الضحايا الذين تم نقلهم من مستشفى الأخضرية لتتسابق العائلات نحو الأكياس أو النعوش دون أن تلقى أدنى إجابة. * رافقنا الأهالي لساعات طويلة، وكان دركي برتبة مساعد يطل أحيانا من سياج الباب الرئيسي حاملا ورقة زرقاء وينادي على اسم الضحية، يركض الجميع نحوه، لكنه لا يسمح بالدخول إلا للمعني الذي يكون الوالد أو الشقيق وأحيانا العمال، يمضون حوالي ربع ساعة في الداخل، يخرجون باكين، متأثرين بعد تحديد هوية الضحية. * * تلمسانوالمسيلة تحصيان أكبر عدد من الضحايا * * اللافت أن أغلب الضحايا من الشباب الذين قدموا الثلاثاء الأسود الى يسر ينحدرون من ولايتي تلمسانوالمسيلة، التقينا في المقبرة بعائلتي بلعيد ومديوني من عين فزة بولاية تلمسان، قال خال عبد القادر وسيد أحمد ل "الشروق اليومي"، إنه وصل أول أمس، ليلا وتمكن من التعرف عليهما "عبد القادر كان مصابا في الأسفل على مستوى الرجل، أما سيد أحمد، فكان مفحما" وتوفي عبد القادر عند إجراء عملية جراحية له على مستوى البطن، حيث كان يعاني من نزيف حاد ولم نتمكن من الاقتراب من والد عبد القادر الذي يشتغل فلاحا وكان مرفوقا بابنته حورية وهي طبيبة مختصة في طب العيون التي أصرت على إلقاء النظرة الأخيرة عليه "إنه شقيقي.. حسبنا الله ونعم الوكيل". وقالت إن والدتها مريضة جدا وهي مصدومة" عبد القادر خرج ولن يعود أبدا..."، وكانت تبكي بصمت.. ووجدت هذه العائلة تسهيلات بفضل تدخل دركي ينحدر من نفس المنطقة يعمل بباش جراح، لكن عديد من العائلات واجهت أمس عراقيل. * * نافع واضح...والده اغتيل في انفجار قنبلة * * عائلة الضحية واضح نافع من مڤرة بولاية المسيلة كانت من بين هؤلاء، الضحية حاصل على شهادة ليسانس في التسيير والإعلام الآلي، كان والده يعمل سائقا واغتيل في انفجار قنبلة تم زرعها عند فتح باب بيته وبترت ساقه وتعرضت لإصابات بليغة على مستوى البطن عام 1996 وتوفي نافع بنفس الطريقة في الاعتداء الانتحاري بيسر. * يقول قريب نافع، إنه ذلك اليوم، بعد ورود معلومات حول اعتداء انتحاري بيسر "قمنا بالاتصال به هاتفيا في حدود الساعة الثامنة صباحا، كان يرن قبل أن ينقطع نهائيا"، وصلنا في حدود الساعة التاسعة ليلا الى مستشفى برج منايل، لكن قيل لنا إنه غير موجود هناك، وتم تحويلنا الى مقبرة العالية لتصل جثته في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبعدها تعرفنا عليه، كان مصابا على مستوى الأسفل" * في الحديث، انضم إلينا أقارب ضحيتين من مڤرة بتلمسان يجري التعرف عليهما بواسطة "الآ دي أن"، إضافة الى ضحايا من زلبون والغزوات بتلمسان والضحية بتة من عين الخضرة بالمسيلة، عشي وصحبي من ولاية باتنة. * كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف النهار دون تسوية الوضع، ما أثار استياء الأهالي الذين قاموا بالاحتجاج والصراخ أمام الباب الرئيسي، مطالبين بالتعجيل في منحهم جثث أبنائهم "لدفنهم بسرعة... سنقطع كيلومترات وستصاب الجثة بالتعفن بسبب الحرارة المرتفعة" وكان شقيق سائق من ولاية بجاية يدعى خير الدين مراد يعمل سائقا بشركة "سوناتيب" كان مارا بسيارته ساعة الانفجار وبلغنا الخبر صباح اليوم، في حدود الساعة الثالثة صباحا. في تلك الساعة، وصلت عائلة من ولاية معسكر تبحث عن ابنها الذي جاء لاجتياز الفحص البسيكوتقني بعد رحلة ماراطونية في المستشفيات. * * "الحاجة" ماتزال تبحث عن والدها ومنظفة وابنة دركي ضمن الضحايا * * وقال لنا الذين تنقلوا منذ أول أمس، الى مصلحة حفظ الجثث بمقبرة العالية، إنهم رأوا 4 جثث من جنس أنثى، وتم التعرف على هوية "دوجة" وهي عاملة نظافة بالمدرسة العليا للدرك الوطني بيسر منذ عدة سنوات وتنحدر من شعبة العامر ببومرداس، إضافة الى ابنة رئيس فرقة للدرك الوطني لا يتجاوز عمرها 16 عاما، كانت مارة بعين المكان ساعة الانفجار. * القائمة لاتزال مفتوحة على خلفية وجود عديد من المفقودين، حيث وصلت جثة مفصولة الرأس واليدين والقدمين، وتوجد "الحاجة" التي تنحدر من ولاية سعيدة وكانت مرفوقة بوالدها لاجتياز الفحص البسيكوتقني..هي ترقد اليوم، بمستشفى برج منايل وكانت تعاني من جروح على مستوى الوجه وصعوبة في السمع، لكنها اليوم، تبحث عن والدها الذي لم يتم العثور عليه الى غاية الآن.