الذين زرعوا الورم الخبيث في جسد المعسكر الشرقي وساهموا في نقله إلى الإنعاش ودفنه وتأبينه بأناشيد الفرح، يصابون الآن بالعدوى، ولن يجدوا بالتأكيد من ينقلهم إلى الإنعاش ومن يدفنهم ومن يؤبنهم بأي نوع من الأناشيد. * ما يحدث للاقتصاد الأمريكي هذه الأيام هو دليل على أن الجنة التي تدعو لها أمريكا وهي تشن حربها على كل متحرك، مجرد أوهام، ومع ذلك مازالت أمريكا بالنسبة لدول العالم القلب الذي يئن لألمه كل الجسد، فمنذ أن أصاب الإرهاب كبرياء الولاياتالمتحدة منذ سبع سنوات باتت عيوب أمريكا بالرغم من أنها حاولت خلال هذه السنوات العجاف قيادة العالم بديكتاتورية تناقض دعوتها للديموقراطية، فقد عانت أمريكا أمنيا فعانى من أوجاعها كل العالم، وعانت طبيعيا مع الأعاصير فعانى معها كل العالم، لكنها الآن أمام أزمتها المالية التي قد تعصف باقتصادها بدأ الأوربيون يدركون أن البلد الذي صدّروا له الديموقراطية والرأسمالية والثقافة والسياسة فتبناها وحولها على مزاجه، مهدد بالإنهيار، وهو الانهيار الذي يعني أن يسقط "عاليه" الأمريكي على "سافله" الأروبي. * والغريب أن أمريكا التي بناها رعاة البقر بالمال ولأجل المال، تمكنت من شن حروب استباقية حتى على الظواهر الطبيعية، فكانت ترفع درجة التأهب لأي طارئ أمني قادم، وتحارب الأعاصير قبل وصولها، والبراكين في مهدها، ولكنها أمام العاصفة المالية الحالية بدت أشبه بمهاجر سري باغتته الأمواج من كل الاتجاهات، رغم أنها ترفض الاستسلام، خاصة أن زوارق النجاة تصلها من كل مكان مصحوبة بكثير من اللوم على الأداء المتهور الذي ميز السياسة الأمريكية في جميع المجالات، فهي تعولم كل شيء إذا تلعق الأمر بالكوارث التي تصيبها وتنفرد بالخيرات لوحدها، فتحارب العراق وأفغنستان بجنود بقية العالم لتجني الثروات، وعندما تصاب بالأعاصير الطبيعية والمالية يدفع العالم الثمن أغلى مما تدفعه أمريكا. * وإذا كانت روسيا قادرة برغم انهيار الشيوعية على العودة وإذا كانت العراق قادرة برغم محاولة قبر تاريخها وشرب بترولها على العودة، فإن الولاياتالمتحدة في حالة انهيار اقتصادها لن يكون بمقدورها العودة؛ لأنها هي في الأصل إقتصاد فقط.