قال ناصر بوضياف، نجل الرئيس الأسبق، المجاهد محمد بوضياف، إن والده رفض العودة إلى الجزائر رغم إصرار قيادات البلاد في ذلك الوقت، الذين أوفدوا إليه المجاهد علي هارون من أجل إقناعه بالعودة وتسلم رئاسة البلاد، إلا أن دخول زوجته فتيحة على الخط ومشاركاتها في مفاوضات إقناع "سي محمد" لقبول منصب رئيس الجمهورية جعله يتعاطى مع طلب السلطات الجزائرية، حيث انتهى الأمر بعودته إلى أرض الوطن في زيارة سرية قبل أن يعود كرئيس ويستقبل بطريقة رسمية. متى وكيف تم الاتصال لأول مرة بوالدك المجاهد الراحل محمد بوضياف من أجل تولي الحكم في الجزائر؟ كان أول اتصال من خلال السيدة "جانين"، زوجة علي هارون، التي اتصلت بي شخصيا مبكرا في يوم من الأيام وأخبرتني بالأمر. صحيح أن علاقتي بعائلة علي هارون وأبنائه قديمة ووطيدة جدا. قلت لها: أمهليني بعض الوقت حتى أشرب قهوتي. فقالت: لا، لا. ستشربها مع "سي علي". أدركت أن الأمر مستعجل، المكان ليس ببعيد عن بيتي. لبست ملابسي وتوجهت في الحال إلى بيت علي هارون. دخلت إلى البيت فخاطبني هذا الأخير قائلا: "يجب أن تتصل ب "سي محمد". وفعلا اتصلت بوالدي بالمغرب وقالوا لي في البيت إنه ذهب إلى الرباط وإنه سيعود في العاشرة. فقلت لهم أخبروه بأن ينتظر اتصالي رفقة السيد علي هارون لدى عودته. تنقلت رفقة علي هارون إلى مكتبه وعاودنا الاتصال مجددا فوجدناه في البيت. وبمجرد أن أمسك علي هارون الهاتف للحديث مع والدي قمت من أجل الخروج حتى لا أسمع ما يدور من حديث بينهما. فأشار إلي بالجلوس مجددا . ماذا قال علي هارون لوالدك رحمه الله؟ قال له بالحرف: "شوف سي محمد يلزم غدوا نجيك"، لم يفهم والدي مقصود علي هارون ورد عليه قائلا: "تأتي من أجل تصريح؟" فرد عليه علي هارون: "لا، لا، سي محمد أريد رؤيتك من أجل أمر مهم". فقال له: "نعم نلتقي غدا إن شاء الله إذن ". ما هو تاريخ ذلك اليوم؟ كان ذلك بتاريخ 12 جانفي، لأن والدي أجرى زيارة سرية إلى الجزائر يوم 14 جانفي ثم عاد بعدها يوم 16 جانفي ليصبح رئيسا للبلاد. أعود إلى الموضوع. طلب مني علي هارون التكتم على الأمر وألا أخبر أحدا. سافر علي هارون في اليوم الموالي إلى المغرب للقاء والدك. ماذا قال لمحمد بوضياف عندما التقاه؟ لم أكن حاضرا. ولكن أختي التي كانت هناك أخبرتني بكل شيء. فقد قال له: إن البلاد في حاجة إليك.. ولقد أخبرتنا بأنه يوم تكون البلاد في حاجة إليك ستكون مستعدا للعودة إليها". أخبرتني أختي بأن والدي تفاجأ كثيرا ولم يكن ينتظر أن يطلب منه علي هارون أمرا مثل ذلك. بماذا رد عليه والدك؟ قال والدي لعلي هارون: "لا يمكنني أن أدخل إلى البلد وهو في هذه الحالة السيئة". وطلب منه أن يمهله بعض الوقت حتى يستشير أصدقاءه في الأمر قبل اتخاذ أي قرار. وطلب منه البقاء في البيت إلى أن يعود من مصنعه في حدود الساعة الرابعة مساء. ما هو القرار الأولي الذي اتخذه والدك؟ رفض والدي العودة إلى أرض الوطن. من استشار في الأمر الذي عرض عليه؟ لقد استشار أصدقاءه الذين كانوا معه في الحزب، على غرار رشيد كريم الذي أصبح فيما بعد رئيسا لديوانه عندما أصبح رئيسا للبلاد. لماذا نصحوه بعدم العودة إلى الجزائر ورفض المنصب؟ قالوا له: يا "سي محمد" يوم كانت البلاد مستقرة لم يسألوا عنك واليوم ولأن البلاد في حال لا تحسد عليها منحوك رئاسة البلاد؟ ولهذا فلن تجني شيئا يا "سي محمد" من العودة حتى وإن كانت من الباب العريض. وقالوا له كذلك: أنت رجل نظيف والفساد عشش في مختلف أجهزة الدولة وهذا لا يخدمك. ماذا فعل علي هارون بعدها؟ اتصل بالجنرال خالد نزار في ذلك الوقت، وأخبره برفض والدي المجيء إلى الجزائر. فرد عليه هذا الأخير قائلا: "دبر راسك لازم يجي... ما عندناش..." وكان يقصد التاريخ الثوري لوالدي. ولكن في الأخير محمد بوضياف عاد إلى الجزائر ليكون رئيسا. من أقنعه بذلك؟ "غلطوه"!!! من أقنعه بالعودة، بعد أن رفضها، هل كان خالد نزار؟ لا. نزار اتصل به في الهاتف فرفض أن يتحدث معه. ما هي العلاقة التي كانت تربطه بوالدك؟ لم يكن يعرفه مطلقا، وأحب أن أقول لك إنه ومنذ مغادرته الجزائر في 1964 قطع علاقته بالجميع. كان لا يتصل بهم ولا يتحدث إليهم ولا يلتقيهم. قال لي مرة إنه التقى عبد الحميد مهري- رحمه الله- في باريس في عهد الرئيس الشادلي بن جديد، وكان في ذلك الوقت سفيرا في باريس. اتصل بعمي عيسى وقال له: أنا أريد رؤية "سي محمد". واتصل عمي بوالدي الذي كان في المغرب، فامتطى الطائرة وسافر لرؤيته في باريس وقال مهري لوالدي مخاطبا إياه: "يا سي محمد بومدين الذي كنت لا تتفق معه غادر وأعتقد أن موقفك من الرئيس الشاذلي بن جديد غير موقفك من الرجل الأول. ولهذا فأنا أنصحك بالعودة إلى الجزائر ولكن بشرط".. فرد عليه والدي قائلا: "واش من شرط"، قال مهري: "ما ديرش السياسة". كيف كان رد فعل والدك حينها؟ وهو الأمر الذي لم يهضمه والدي وقال له: "كيف... أدخل لأسكت، وأرى الفساد وأسكت؟" ونهض والدي دون أن يلمس صحن الأكل الذي كان أمامه. وقال له مهري وهو يهم بالخروج وكان في حالة غضب: "سي محمد" لا تنس، منحة قدماء المجاهدين تنتظرك". وبلهجة قاسية، وسبق أن تحدث عمي في مقال صحفي بخصوص هذا الموضوع ولكن مهري لم يرد عليه. وقال لي والدي: "عبد الحميد مهري خيب أملي ولم أكن أعتقد أنه يفكر بهذه الطريقة". نعود إلى حديثنا.. هل غادر علي هارون بيت والدك بعد أن أخبره بموقفه الرافض للعودة إلى الجزائر؟ بقي علي هارون في بيت والدي ولم يغادر مكانه. بالنسبة إليه كان في مهمة وكان بقاؤه في السلطة مرهونا بنجاج مهمته، شيئا فشيئا دخلت زوجته فتيحة على الخط هي الأخرى وحاولت أن تقنعه باستعمال نفس الخطاب وهو "الجزائر محتاجاتك". وسبق أن قلت: يوم تكون الجزائر في أزمة وتكون في حاجة إلي فعلا فسأدخل. لم تنظر إلى الخطر الذي كان يحدق بالمنصب. كانت ترى نفسها "زوجة رئيس وفقط". وعرض عليه بعدها علي هارون الدخول إلى الجزائر في زيارة سرية لمدة يومين من أجل الاطلاع عن قرب على الوضع في الجزائر قبل أن يتخذ أي قرار. وبالفعل سافر والدي إلى الجزائر رفقة علي هارون وأقام في فيلا "عزيزة" بالعاصمة مدة يومين واستقبل هناك كل الشخصيات التي قدموها له كما التقى الشخصيات التي كان يرغب في لقائها. من هم الأشخاص الذين طلب رؤيتهم؟ المجاهدون الحقيقيون، على غرار عثمان بلوزداد، عيسى كشيدة- رحمه الله. أخبرني بأنهم قالوا له: "أنت القادر على تسوية المشاكل التي تعيشها البلاد بحكم أنك شخصية تاريخية معروفة وأنه سبق أن قلت إنك مستعد للعودة إلى الجزائر إذا كانت في حاجة إليك وإنك ستكون خائنا إذا رفضت دعوة وطنك. الجزائر بين يديك يا "سي محمد". بهذه العبارات أقنعوه بقبول عرض السلطات فوافق ولكن وضع شرطا مقابل قبوله تولي زمام الأمور. وماذا كان شرطه؟ ألا تسير الأمور نحو حرب أهلية، فلم يعارض "العسكر" شرطه وأكد الجميع له أنه سيسير البلاد بالطريقة التي يريدها هو وأن كل شيء سيكون جيدا. وهذا ما جعل والدي يقبل بالعودة إلى أرض الوطن واستلام منصب رئيس. هل التقى بخالد نزار في تلك الزيارة؟ نعم التقاه في تلك الزيارة، حيث حاول هو الآخر إقناعه بضرورة العودة إلى الجزائر وقال له: "البلاد في أزمة"، وأنهم، بالرغم من ذلك، يسيطرون على الوضع، وأنه لو أراد العسكر السيطرة على الحكم لفعل ذلك، ولكنهم يفضلون أن يكون الرئيس من المجتمع المدني، ودون حدوث أي انقلاب. وكانوا في ذلك الوقت قد نفذوا انقلابهم على الرئيس الشاذلي بن جديد. عاد بعدها والدي إلى المغرب وبعد يومين آخرين عاد إلى الجزائر حيث تولى منصب رئيس للجمهورية. هل كانت المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطة إلى والدك وتعرض عليه رئاسة البلاد؟ كانت المرة الأولى التي يعرض فيها عليه تولي زمام الأمور ولكن بدأت الوفود والشخصيات الوطنية تتصل به بعد أحداث الخامس أكتوبر 1988 وكان ذلك لغرض إقناعه بالدخول إلى الجزائر، وقالوا له: بن بلة والجميع دخلوا، فلماذا لا تعود أنت؟ ورد عليهم: "لن أدخل تجنبا لوقوع أي مشاكل". وزارته العديد من الوفود من أجل إقناعه بالعودة إلى الجزائر على غرار علي هارون، من المجاهدين عمر بوداود، وعثمان بلوزداد، ومن أبناء الشهداء. وأذكر أنه كان من بينهم في ذلك الوقت نجل الشهيد مصطفى بن بولعيد- رحمه الله، ورغم ذلك فقد رفض الدخول في ذلك الوقت. لمَ كل هذا الرفض للعودة إلى أرض الوطن؟ هل كان محمد بوضياف مستاء من طريقة تسيير جزائر الاستقلال؟ نعم، كان مستاء من كل شيء. وبلغ استياؤه حدا كبيرا مما حدث سنة 1988 وقال إنه ليس الطريق الذي كان من المفروض أن تسلكه البلاد. هل كان ضد إقرار الرئيس الشاذلي بن جديد للتعددية الحزبية؟ والدي لم يكن ضد التعددية الحزبية ولكنه استاء من الطريقة التي أقرت بها هذه التعددية وكذا الشخصيات التي لا رصيد لها، التي تولت هذه الأحزاب وأصبحت تنشط على الساحة الوطنية وقال لي أيضا إن تلك التعددية الحزبية كانت شكلية فقط لأنها تنشط تحت جناج المخابرات وهي تابعة للدولة باستثناء ال"أفافاس" وهو الحزب الوحيد المعروف في ذلك الوقت. بمَ حدثكم بعد عودته من الزيارة السرية التي أداها إلى الجزائر؟ لم يحدثنا بشيء، كان قد استلم المنصب خلال تلك الزيارة السرية ولم يبق إلا البروتوكولات الرسمية. دخل بوضياف الي الجزائر، ما هو الانطباع الأول الذي تعزز لديه؟ منذ الوهلة الاولى، أدرك أن الأمر ليس بالسهولة التي رسموها له وان كل الوعود التي تلقاها من كبار القادة عند استقطابه ليكون رئيسا مجرد كلام، وبدأت مشاكله مع من كانوا يريدون استعماله كدمية فقط، وهذا ما كان والدي يرفضه رفضا مطلقا، كانت بداية تعارضه مع النظام يوم دخوله إلى الجزائر قادما من المغرب لمباشرة مهامه كرئيس، حيث قاموا بكتابة خطاب آخر بدل الذي كان قد كتبه في المغرب وهو الأمر الذي عارضه والدي بشدة وقال لهم لن أقرأ غير الخطاب الذي كتبته انا، وقال لي بعدها كنت أدرك قبل مجيئي ان الوضع متعفن ولكن ليس بهذه الصورة البشعة. ما هي الأشياء التي لم تعجبهم في الخطاب الذي كتبه هو؟ لقد أزعجتهم عبارة "هذه يدي أمدها للجميع" ولهذا قاموا بتغيير الخطاب. ماذا كانوا يقصدون بذلك؟ أرادوا ان يوظفوه في حربهم على الإسلاميين، وقال لهم لا خلاف لي مع الجبهة الاسلامية للإنقاذ.. هو حزب كغيره من الأحزاب التي تأسست في البلاد ولا يد لي فيما وقع بينكم وبين هذا الحزب، وكان يقصد توقيف المسار الانتخابي، لن أعارض نشاطهم السياسي، ويخطئ من يقول ان بوضياف هو الذي فتح معتقلات في الجنوب، هذه المعتقلات فتحت في جوان 1991، ووالدي جاء في 1992، وهذه الأمور موجودة في الجريدة الرسمية، كما ان الجنرال العربي بلخير هو الذي أمضى على هذا المرسوم، كانوا فقط يريدون تشويهه. متى أدرك والدك انه والجهة الأخرى خطان متوازيان؟ بعد أن علم والدي بما كان يحدث في الشارع من اعتقالات عشوائية للأفراد. وهل كان يجهل ذلك؟ نعم، كانوا لا ينقلون له حقيقة ما كان يحدث إلى أن أصبح أصدقاؤه يحتجون لديه، خاصة بخصوص الاعتقالات السياسية العشوائية التي كانت تحدث في الشارع وكانوا ينقلون له ما يريدون أن يعلم به فقط، وكان من بين الذين نبهوه إلى خطورة ما يحدث "بن سعيد"، وقال يا سي محمد غالبية الأشخاص الذين أخذوهم الى المعتقلات في الصحراء لا علاقة لهم بالإرهاب، فاستدعى خالد نزار وقال له ما هذه الأخبار التي اسمعها، كيف تعتقلون المواطنين بدون ذنب، فرد عليه نزار "كل الذين اعتقلناهم على علاقة بالجبهة والإرهاب وهم ارهابيو المستقبل"، فأدرك والدي خطورة ما يفعلونه وقام بتكوين جماعة تعمل لصالحه وتنقل له كل ما يحدث في الشارع، وكنت بدوري انقل إليه كل ما ينقل لي من خلال أصدقائي، بدأ يدرك بعدها يعي حقيقة ما يحدث. ماذا كان موقفه؟ رفض السير في الطريق الذي رسموه هم، وأدركوا انه ليس الرجل الذي يستطيعون التحكم فيه وفرض املاءاتهم عليه، وسبق وأن قال نزار في مذكراته انهم هم الذين يصنعون الرؤساء وفق ما يتماشى ومصالحهم ولكنهم عجزوا عن ذلك مع والدي، وبدأت المشاكل والخلافات والصراعات بينهما، وحدث أمر آخر أدى إلى تصاعد حدة الخلاف وذلك عندما رغب والدي في السفر إلى المغرب لحضور حفل خطوبة أخي توفيق وأصر والدي على الحضور. فرفض الجنرال توفيق في ذلك الوقت، وأبلغ ضباط في المخابرات والدي أن نزار كتب مقالا باسم مستعار وسيصدر في اليوم الموالي في جريدة الشعب، يقول فيه انه سيهاجم المغرب، فهددهم والدي بالذهاب إلى المغرب وعدم العودة مجددا فتراجعوا عن نشر المقال، بالإضافة إلى رغبته في تأسيس حزب جديد، كان دائما يقول لي الحل ليس لا في "الأفلان" ولا في "الفيس".. وسبق وان قلت لهم "مهمة حزب جبهة التحرير الوطني انتهت في 1962"، يجب طريق جديدة وان يسعى لتأسيس حزب جديد، انتزع مقر "لا روديزلي" من جماعة الأفلان وقال لمهري "إذا أردتم أن تصنعوا معارضة حقيقية فمونوها من جيوبكم وليس من أموال الدولة"، وهذا ما خلق له مشاكل مع "الأفلان" وبقية الأحزاب الأخرى، فغالبية الأحزاب كانت ضده، لأنه حرمهم من البحبوحة التي كان يعيشون فيها تحت غطاء تلك الأحزاب. ومما زاد من شدة "الغضب"، قيام بوضياف بإرسال رجال من المخابرات للتحقق من حقيقة الأشخاص الذين نقلوا إلى المعتقلات في الصحراء، وعندما عادوا أخبروه أن غالبية المتواجدين في السجن لم يقترفوا أي ذنب وبأنهم وجدوا جماعة من "الأفافاس" بين المحبوسين، وأعطى عندها أوامر بإطلاق سراح المعتقلين بعد عيد الفطر، وكان والدي سباقا للحديث عن "المصالحة الوطنية" وحدد شروط، أهمها أن الذي تلطخت يداه بالدماء ليس كالذي لم يرتكب جرائم بشعة، والعدالة تفصل في أمرهم، وشرع في التفاوض مع القيادي المعروف في الجبهة الإسلامية للإنقاذ "حشاني"، وأرسل عيسى كشيدة إليه رغم انه كان قد رفض التفاوض مع السلطة قبل مجيء والدي. لماذا كان يريد رؤية حشاني؟ عندما بدأت الخلافات تأخذ منحى آخر بين بعض الجنرالات وقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، كان يريد ايقاف ذلك الصراع وطلب الاتصال بعضو قيادي آخر في الحزب ووافق هذا الأخير على رؤية والدي ولكنه اغتيل قبل لقائه، كل هذه العوامل زادت من حدة الخلاف بينه وبين هؤلاء الجنرالات آنذاك، خاصة بعدما قرر انشاء حزب والتحضير للانتخابات، كان يبحث عن الشرعية، واذكر انه حدثني قائلا: "أنا افتقد إلى الشرعية، دخلت البلاد في ظروف سيئة"، وكان يريد تنظيم انتخابات رئاسية، وقال لي "احس أن الشعب يحبني، ولكن أنا بحاجة إلى الشرعية". هل شعر بغضب "المجموعة" تجاهه؟ نعم، كان يدرك أن الوضع سيء، خاصة وان علاقته بخالد نزار وصلت إلى طريق مسدود. هل وقعت مواجهات بينهما في العلن؟ لا، لم يحدث ذلك.. ولكن حدثت الكثير من الأمور بطريقة غير مباشرة، نصحه أصدقاؤه بالكف عن الزيارات التفقدية إلى الولايات بحجة أن الأوضاع الأمنية كانت جد سيئة، ولكن الجنرال خالد نزار كان يقول له أن الشعب يريد رؤيتك ويجب أن تخرج إليه، وسبق أن تحدثت زوجته عن هذا الأمر من قبل. وجاءت الزيارة التي قادته إلى عنابة آخر محطاته.. ذهب بدون مرافقة من الوزراء واعتقد أن الحدث تزامن مع حدث رياضي ضخم وكان حضور وزيرة الشباب والرياضة ليلى عسلاوي في ذلك الوقت ضروري، ولكنها لم تذهب وراسلتها في العديد من المرات بعد وفاة والدي عن سبب غيابها عن الحدث فلم ترد.. وحتى بومعرافي الذي اغتال والدي كانت مهمته خارج المكان الذي احتضن التجمع الذي أقامه والدي فكيف دخل إلى القاعة، لم يكن متواجدا في القاعة، لا حرس الرئيس ولا أية تعزيزات أمنية أخرى. وماذا عن المؤسسة التي تحمل اسم والدك؟ نشاط المؤسسة متوقف منذ سنوات، وحتى عندما تأسست، الأشخاص الذين أسسوها لا علاقة لهم بمحمد بوضياف لا من قريب ولا من بعيد، زوجة والدي، أخوها، مشاطي وشخصيات أخرى لا علاقة لهم بوالدي. ألا تطمح في إحياء مؤسسة محمد بوضياف من جديد؟ طبعا أنا أسعى من اجل ذلك ولكن زوجة والدي تحتكرها، باب المؤسسة مغلق وهي تعيش في المغرب، ولكن تفضل بقاءها مغلقة على أن تسلمها لشخص آخر، وأحب أن أشير إلى أن تلك المؤسسة انشأوها للتغطية على جريمتهم، وكانت زوجة والدي إلى جانبهم، وتحولت بعد ذلك إلى محل "للبزنسة"، حيث كان ذوي المصالح يلتقون هناك.