صور من الأرشيف هي في عقدها الرابع ضعيفة البنية متوسطة الطول كانت ترتدي لباسا باليا رمادي اللون تعمل منظفة في إحدى بنايات مدينة البليدة أم ل3 بنات وكفيلة أسرة لزوج أقعده مرض الفقر والعوز ونسيان الناس إياه * قصدت مكتبنا القريب من تلك البناية دون موعد سابق، لأنها كانت دائمة الزيارة لأهله وطلبت منّا في حياء وأدب لطيف السر والأمان، لأنها ستبوح بأمر خطير بالنسبة لها، وبعد أن اطمأنت قالت بخاطر مكسور مترجية منّا صبرا وسعة أنها تريد أن تسمعنا حقيقة قصتها، فهي مريضة بورم خبيث منذ زمن رافقه ألم حاد طويل، أضعف جسمها فصار هزيلا وشاحبا وشفاؤها ميؤوس منه والطبيب الذي كان يداويها أخبرها بأن أيام حياتها قليلة وزوجها وبناتها لا يعلمون بذلك وهي تبحث عن معيل لهم بعد رحيلها، تتوقف لتستجمع نفسا عميقا وتواصل برصانة العاقل الواعي وخلق في الكلام أريد أن تستمر حياتهم كما لو أنني باقية بينهم، لا أخفي عليكم أن سيدة كنت أعمل لديها في أمور البيت عرضت علي أن أبيعها إحدى بناتي مقابل مال وفير، ومُحسن ميسور الحال وصاحب صناعة تعهد لي التكفل بثلاثتهن وضمهن إلى بقية أولاده كأنهن من العائلة، ولكن وضع زوجي المقعد المريض الذي لم أجد له حلا بعد أخلط علي الأمور كلها، واستمرت في حديثها الحزين قائلة إنها اهتدت إلى فكرة وضعه في دار العجزة، لكن تخشى عدم قبوله لأنه سقيم، ترفع بصرها في فضاء المكتب وتحرك شفتيها اللتين فقدتا لون الحياة لتطلب قليلا من الماء وتقول في لغة الحيران ما عساها أن تقرّر لأن زمن الإنسان اليوم لا يؤتمن، ثم تستأذن بالانصراف رغم توسلنا بالبقاء والاستفاضة في الحديث، لكنها ترفض بأدب خلاق وتحرك رجليها في ثقل وأنّة متسترة عليها مودعة، حارصة من جديد ضرورة السر والكتمان، تسحب الباب وراءها في رفق وكأنها نسمة طيف حزين هبّت بالقرب منا لترحل عن المدينة في صمت دون عودة أو عنوان.