دخلت ومجموعة الاقتحام الماردة التي أترأسها، ضيفا "معارضا" وليس معروضا، على عائلة أبي وزوجته المكوّنة من الوالد (معطوب (وناس) حرب، موت قاعد في الفراش مريض من وفاة بومدين) وزوجته الثانية بعد الراحلة أمي، التي تصغر أبي بعشرين سنة مع ذلك تبدو أكثر تجلدا وهرما منه! مريضة هي الأخرى ببوصفير وبوحمير وبوزريق ومش عارف.. والمعدة! لكن واقفة على ركبتيها، فلاحة قروية لا تزال تطبخ أكلها بيديها على الطريقة التقليدية رغم كثرة الأشياء، وأخ تجاوز الأربعين ولم يتزوج: الوحيد الذي يعمل لصالح الدار بالإضافة إلى مرتب أبي!). لما دخلت عليهم ولم أكن قد زرتهم منذ أشهر إلا بالهاتف و"الأس أم أس" كصلة رحم إلكترونية!.. شدّت زوجة أبي واسميها "يما"، على ذراعي بعنف وهي تؤنبي: اليوم عاد؟ بوك راه مكمل الحرايف وأنت عند الباب وما تجيش! قلت لها: هاني جيت وجبت معاي الجيش! توحشوكم وجاو يفطروا معكم في النهار الأول من رمضان! قال لي أبي بصوت دفين: وين راهم الآخرين؟ قلت له: غدوة أن شاء الله يجيوْ.. وغير غدوة بالاك يلحقوا الآخرين! نحن السابقون وهم اللاحقون! وجدتُ أمي وأخي قد أعدّا المائدة قبل ساعة من الآذان، أول ما رأينا المائدة، بدأت جماعة الإناث معي، يتربّصن بها وبجدّتهم: نعانوك جدتي؟ نغسلوا معك. واش بغيتنا نديروا رانا هنا! قالت له: كلش راه واجد، استناو غير المغرب ومن بعد إذا بغيتوا تغسوا لمواعين، الماء راه ماكانش! هاكم هاذا البيدون فيه شوية ماء وغسلوهم مليح بجافيل وأومو! البنات رحن ينظرن إلى بعضهن البعض: 3 لترات من الماء لغسل الصحون؟ ونحن من نفرغ "سيترنة" على زوج كيسان؟ قالت لها الكبرى: نتيّمموهم وإلا نغسلوهم جدتي؟ ردت عليها: دوشولهم.. حممهم وكيسولهم خير! دبّري راسك.. هاو الماء ولمواعين راهم بزاف، زيدوا سربيوا المغارف، ماعون واحد ناكلوا فيه جميع.. وإذا بغيتوا ديروا زوج. قلت لها: آالحاجة، أحنا ما جيناش ناكلوا، جينا نشوفوكم.. توحشناكم هذا مكان، هذا شهر رمضان، والماكلة كاينة والحمد لله! مع ذلك رحت أتصيَّد وبقية فريق الصيد البري اللواتي جئن معي، وأبحث عن نوع الوجبة المُعَدة من طرف أمي: وفوجئت: خرشف ورايب ماء وخبز الطاجين وخبيز، والسلام على من اتبع الهدى! نظرت إلى عصابة الأربع، فوجدتهم ينظرون إلى الأكل المغطى بشاش خوفا من اكتساح الذباب... الذي لا يصوم! وبدأت علامات القلق والأسى على الأعين والسحنات! كشرت إحداهن وتمغصت أخرى، ومصّت الملح الثالثة، وتأفف الرابع فيما بلعتُ أنا ريقي الجاف وعلمت أن اليوم هو أصعب يوم في حياتي! متعب رغم أني لم استيقظ إلا قبيل ساعة مع بقية الأفراد إلا أمهم التي تستيقظ صباحا كالجدارمي لتبدأ في حملة الرد على المكالمات ومعايرة أئمّة النوم: شوفي راها الوحدة ومازلوا راقدين.. هذا نعاش مش نعاس! أنا سيّقت وغسلت ورفدت الفراش وطويت الكسوة وهما مازالوا ناعسين!. كل هذا وأنا ومن معي في الفلك.. يتلوون في فراشهم من هول صوتها الذي كان يصل إلى غاية المستشفى الجامعي وإلى المصلين في الجامع! بقينا ننتظر، بعدما حاولت بناتي استدراج أمي لكي تطلب منهم أن يضيفوا شيئا مما وُجد في البيت إلى المائدة، ولكن يبدو أن شيئا آخر غير ذلك لم يكن متوفرا! فأمي لا تأكل إلا قليلا.. عندها المعدة... وأبي لا صوم ولا يأكل إلا نادرا..عنده السكر! وأخي لا يحب إلا مأكولا العصر البرونزي الأول: الخبيز السلق، الخرشف، الحريرة، اللفت، القرناع، لاتاي بالنعناع!