ما إن اختتمت قمة الرياض حتى انطلقت قمة الدوحة وما إن اختتمت قمة الدوحة حتى انطلقت قمة شرم الشيخ وما إن اختتمت هذه الأخيرة حتى انطلقت قمة الكويت ولا شك أن قمما أخرى ستجمع العرب أو بعضا من العرب في الأفق المنظور. ولم يشهد العالم قضية شكلت ساحة لإنعقاد القمم مثل القضية الفلسطينية، ولم يشهد العالم دولا تتسابق إلى المنابر وتتفنّن في صياغة الخطب مثل الدول العربية. ويذكر التاريخ أنه منذ اجتماع »بلودان« في سوريا حول فلسطين في جوان 1946 - * أي منذ أكثر من 60 سنة - لم يتأخر العرب عن الكلام إلا في محطات تاريخية محددة تجسد عندها »الكفاح المسلح« أما داخل العملية السياسية مع العدو فقد تعددت الرؤى، تباعدت الخيارات وانقسم الصف حول القضية ثم ازدادت القضية انقساما عندما تسرّب التشتت إلى الداخل الفلسطيني بين الفلسطينيين أنفسهم، عندها طغى الكلام على الوفاق وتحولت القضية الى ميدان حقيقي للمزايدات. ولم تكن نتائج الوحدة العربية في مستوى العدد الهائل من القمم (33 قمة عربية) منذ قمة »بلودان«. * وجاءت قمة الكويت، الإثنين المنصرم، لتضيف للمشهد العربي عنصرا جديدا هو المصالحة بين بعض الفرقاء العرب، فهل تكون مصالحة حقيقية مبنية على إرادة إصلاح النظام السياسي العربي؟ وما الذي دفع بالدول المعنية الى اتخاذ مثل هذه الخطوة التاريخية؟ * * خسارة العالم من فرقة العرب * خطب الأمين العام للأمم المتحدة في شرم الشيخ وناشد العرب أن يتوحدوا، كما ناشد الفصائل الفلسطينية أن تتجاوز خلافاتها. والحقيقة أن فرقة العرب ساهمت في استحواذ الولاياتالمتحدة على مجلس الأمن لاسيما ما تعلق بأمن إسرائيل والقضية الفلسطينية مما وضع الأممالمتحدة في حرج كبير، وشغلت الخلافات الفلسطينية الداخلية الأممالمتحدة عن حسم الصراع في الشرق الأوسط لصالح السلام العادل كما حالت دون تطبيق قرارات هذه الهيئة الأممية. * وعلى الصعيد الاقتصادي ساهمت الفرقة العربية في تهميش العرب على خارطة التجارة العالمية، كما حالت دون الاستفادة من مقدرات التنمية في الوطن العربي خارج دائرة النفط والمادة الأولية، وحتى في سياق البحث عن حلول للأزمة المالية التي تتوالى تداعياتها على صعيد الاقتصاد العالمي لم يخرج العرب بنموذج بديل للنظام الرأسمالي ولا بمقترحات حقيقية عكس ما خرجت به القمم الدولية من رؤى. * ودفعت الفرقة الدول العربية الى الانشطار حول القضية الفلسطينية على النحو الذي زاد من مسؤولية الدول المانحة في تأمين الاحتياجات المالية لشعب بكامله ومن مسؤوليات هيئات الإغاثة في تأمين التعليم والاحتياجات الصحية والغذاء لأكثر من 1.5 مليون نسمة من سكان غزة. * لقد فوّت العرب على أنفسهم إطلاق فضاء اقتصادي يربط الشرق بالغرب ويقلل من ضغط الحرب الباردة بين محوري موسكو وواشنطن وربما يتيح للدول الإفريقية والناشئة خيارات جديدة على سلم التبادل التجاري والاستثمار في العالم. * * ضرورة إصلاح النظام السياسي العربي * يشكو النظام الاقتصادي العربي من تبعية شديدة للقرار السياسي. ولهذا سرعان ما انسحبت تباشير الإعلان عن المصالحة العربية في قمة دمشق، انسحبت على الرؤية الاقتصادية. وحتى يستدرك العرب ما فاتهم من مزايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية يكون عليهم تعميق إرادة المصالحة بإصلاح شامل لنظامهم السياسي؛ إصلاح يتيح مجالا أوسع للحريات وللممارسة الديمقراطية، يعطي فرصة أكبر لجيل ما بعد الاستقلال في ممارسة الحكم ويوسع مجال التشاور ليشمل المجتمع المدني والمعارضة السياسية والقطاع الخاص والنخبة. عندها فقط يمكن الحديث عن مصالحة حقيقية تتجاوز العلاقات بين الدول ذات التاريخ المشترك إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم داخل القطر الواحد. * الكل يجمع على أن جيلا جديدا من السكان في الوطن العربي بات يرى في الشرعية الثورية والشرعية التاريخية للحكم رصيدا يجب ترقيته في اتجاه التداول على القرار والأخذ بالأفكار الجديدة والعناية أكثر بهموم الوطن العربي المستقبلية. فلا أحد يستوعب حالة التبعية العربية للسوق الخارجية في أدنى الحاجات. ولا أحد يستوعب المؤشرات الضعيفة للتنمية البشرية بين السكان العرب. ومن الصعب تفسير حالة العطالة بين الشباب العرب والتي مست 20 مليون قادر على العمل، في حين تمول الصناديق السيادية العربية استثمارات مهمة في الدول الأجنبية أو تفسير حالة الفقر التي طالت 30٪ من السكان أو الأمية التي تشمل حاليا 100 مليون ساكن في حين تختزن المنطقة العربية 60٪ من احتياطي النفط في العالم. مفارقة لا يفسّرها سوى غياب استراتيجية تنموية عربية زادت من حجمها حالة الانقسام في الصف العربي. فهل نشهد قريبا تطورا في الخطاب العربي وفي القرار العربي أم أن ما نقلته قنوات الإعلام من ابتسامات على وجوه القادة في قمة الكويت هي مجرد »سياسة«؟.