الجزائريون مدعوون للتوجه نحو صناديق الاقتراع يوم 9 أفريل القادم. لو طرحنا سؤالا بسيطا حول الجديد الذي يمكن أن تأتي به هذه الانتخابات فستكون الإجابة بسيطة أيضا: ستبقى الأمور على حالها. النظام، كعادته، فضل الاستمرارية؛ استمرارية نفس الأشخاص الموجودين في السلطة والشبكات التي نسجت حولها، وبالنتيجة، استمرارية نفس السياسات ونفس معاناة الجزائريين مع المشاكل التقليدية للبلد. * الحديث عن انتخابات 9 أفريل القادم يعني ببساطة إضاعة الوقت والجهد في ملف حسم فيه منذ زمان، أو على الأقل، منذ بداية نوفمبر الماضي، حيث تم تعديل الدستور لأجل تمكين الرئيس الحالي من عهدة دائمة. الشخصيات السياسية التي يمكن أن يقال أنها، على الأقل، تصلح لدخول المنافسة الرئاسية قررت الإضراب عن الترشح ودخلت بيوتها ملتزمة الصمت. * كل شيء محسوم لدى السلطة؛ الفائز، الأرانب، الذين ينشطون الحملة أو »الزرناجية« لتنشيط العرس، لكن بقي هاجسها الأول والأخير هو نسبة المشاركة بحيث هناك تخوف كبير من أن تكون الأضعف منذ الاستقلال، لكون الانتخابات لا تنطوي على أي رهان، ولسوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية وعجز السلطة المستديم عن التصدي لها، ولعدم وجود تنافس على الأقل بين الشخصيات السياسية المعروفة والتيارات التقليدية التي كانت تجند الناخبين في السابق. ولهذا الغرض كانت هناك حملات تحسيس غير مسبوقة لدفع الناس للتصويت، لكن نسبة المشاركة قد يتم تجاوزها لأنه لا أحد يعرف الصيغة التي يدير بها زرهوني أرقامه، ثم أن أويحيى له سوابق معروفة مع الانتخابات. * ما يسجل على السلطة هذه المرة هو أن الحظ خانها حتى في إيجاد إخراج جيد للعبة الانتخابية للرئاسيات التي عادة ما تكون محسومة سلفا منذ سنة 1962، أو أنها لم تعد تعير اهتماما لذلك، عكس انتخابات سنة 2004 حيث تم تهيئة ظروف معينة خلقت شبه »منافسة« وذلك عندما صدق قطاع من الصحافيين ومن »النخبة« أن الجيش، أو »الجناح القوي فيه« يدعم بن فليس، رغم أن سياسيين وملاحظين نبيهين كشفوا أن النتيجة محسومة سلفا بسبب غلق صارم لمجال المنافسة السياسية. * وزيادة على انعدام أي شكل من أشكال المنافسة في الانتخابات القادمة، فإن الجزائريين يدعون للانتخاب من دون أن يناقشوا شيئا، أو أن يحظوا بشرف المشاركة في حوارات مفتوحة عن مشاكلهم ومستقبل أبنائهم. لقد أريد لهم فقط أن يتحدثوا عن »الإنجازات«. المواعيد الانتخابية في الدول الديمقراطية تستغل لبعث نقاش وطني جدي حول مشاكل وتحديات البلد وهذا لفترة لا تقل عن السنة كحد أدنى، بهذه الكيفية يتم انتقاء السياسات المناسبة والنخب ذات الكفاءة والقادرة على تنفيذها والتي تؤمن الاستقلال الوطني ويتم إبعاد السياسات الفاشلة والسياسيين الرديئين. عندنا النقاش محرم إلى إشعار آخر، رغم أننا نعيش مشاكل خانقة على كل المستويات لم تقدر الحكومات المتعاقبة على حل ولا مشكل واحد منها بدءاً بالأمن والاقتصاد والمدرسة والصحة والتجارة الخارجية والحراقة وزحمة المرور... * السؤال المطروح هو: طبعا، سيمر »الكرنفال« الانتخابي، (وأتمنى أن يتحلى رهيفو القلوب بالصبر خلال الشهرين القادمين)، لكن هل الذين يمسكون بزمام السلطة عازمين على إطلاق تفكير جدي في التحديات الخطيرة المطروحة على الجزائر في بداية هذا القرن الواحد والعشرين؟ هل هناك خيارات، أو خيار واحد على الأقل، يمكن الجزائريين من تأمين مستقبل أبنائهم والأمل في حياة أفضل؟ أطرح هذا السؤال لأن كل الأرقام والمؤشرات الصادرة عن مؤسسات دولية ذات مصداقية تضع الجزائر في وضعيات كارثية، وهذه الهيئات ليست تلك المنظمات غير الحكومية المتهمة بالجوسسة من قبل السلطة في الجزائر، بل معروفة بكونها مرجعا للاقتصاديين والسياسيين والجامعيين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي الدولي. والحمد لله، لقد حررت التكنولوجيا الإنسان، فبإمكان أي قارئ أن يبحر في شبكة الانترنيت ليتصفح أي تقرير يريد ويعرف الحقائق الاقتصادية عن بلده، دون أن يكون أسيرا للأرقام الرسمية البعيدة عن الواقع. * آخر تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي الدولي (world economic forum) حول تنافسية الاقتصاد العالمي لسنة 2008، والذي أشار إلى أنه تعاون مع مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي للتنمية بالجزائر »كرياد«، أعطى أرقاما مخيفة عن الوضعية الاقتصادية للجزائر، وهي ليست غريبة عن أهل الاقتصاد في البلاد. لنسوق مثالا عن قطاع واحد لم تحدث الحكومة المتعاقبة أي تقدم في حاله. التقرير يضع الجزائر في المرتبة الأخيرة عالميا في مجال فعالية النظام البنكي (المرتبة 134 من أصل 134 دولة شملتها الدراسة)**. هنا نطرح السؤال: ما الذي كان وزراء المالية يقومون به خلال العشر سنوات الماضية حتى يتم تصنيف نظامنا المصرفي في هذه الدرجة السفلي؟ هل هناك فعلا وزير للمالية ومحافظ لبنك الجزائر؟ هل هناك مسؤولون يديرون البنوك العمومية؟ هؤلاء جميعا ترى ماذا يفعلون كل صباح لما يدخلون مكاتبهم؟ ماذا يناقشون في اجتماعاتهم الرسمية؟ هل رئيس الجمهورية والوزير الأول، وقبله رئيس الحكومة، يعلمون بهذه الوضعية؟ ماذا فعلوا لإصلاحها؟. * نفس الأسئلة يمكن أن تطرح عن قطاعات أخرى عديدة نحتل فيها مراتب غير مشرفة، والتي هي مستثناة من النقاش إلى إشعار آخر. * لقد اتضح جليا أن النجاح في تنظيم انتخابات، بالشكل الذي هرولت إليه عدة أنظمة تسلطية تحرص فقط على أن تنسجم مع معايير وضغوط خارجية، ليس مقياسا للديمقراطية ولنظام سياسي مفتوح ومبني على المشاركة السياسية الفعلية. التجارب الأخيرة بيّنت أن هذا الشكل من الممارسة السياسية هو غش في وضح النهار لن يؤدي إلا إلى استمرار إقصاء شرائح عريضة من المجتمع من حقها في الممارسة السياسية وفي المشاركة في تسيير شأنها، وبالتالي هيمنت الأحادية وتوابعها من الفساد والرشوة وانعدام العمل بالقانون وضعف أداء الاقتصاد ورداءة التكوين وانهيار الأمن القومي... مثل هذه الأنظمة تنطبق عليها عبارة ساقها باراك حسين أوباما في خطاب تنصيبه يوم 20 جانفي الماضي، أحبّ أن أجعلها في ختام هذا المقال، حيث قال: »ولأولئك الذين يتمسكون بالسلطة عبر الفساد والخداع وإسكات المعارضين فاعلموا أنكم في الجهة الخاطئة من التاريخ...«. * * * * ** يمكن تصفح النص الكامل للتقرير على الموقع الإلكتروني للمنتدى: www.weforum.org