أطفال لا يعرفون المدرسة.. في الوقت الذي بدأت وزارة التضامن في توزيع أزيد عن 600 ألف محفظة ومئزر على التلاميذ الفقراء، وفي الوقت الذي سيستفيد 3 ملايين تلميذ من منحة 3000 دج لتجاوز محنة الدخول المدرسي. * * وفي الوقت الذي تعيش العائلات أجواء الدراسة التي تنطلق نهار الغد، يوجد خلف الضلال أطفال في سن الدراسة أجبرتهم الحياة القاسية أن لا يكونوا مع هؤلاء الذين سيملؤون شوارعنا غدا بحركتهم وضجيجهم "البريء".. بعضهم يقطن في مداشر جبلية نائية يخاف عليهم آباءهم من الإرهاب والخطف، وآخرون يتعذبون في صمت بسبب المرض الخبيث الذي أقعدهم عن الظهور والبعض الآخر يدفع ثمن جهل الأولياء الذين يرفضون دخول بناتهم بالخصوص المدارس.. وإذا كانت هذه النماذج إستثناء فإن الحلم في تبخرها ضروري لأنها نماذج لا تليق ببلد ثري ونامي مثل الجزائر. * * عمره سبع سنوات ولن يدخل المدرسة * "ضياء الدين" من سطيف يعيش في "الظلمة" * تحوّلت حياة الطفل زياني ضياء الدين بولاية سطيف إلى جحيم إثر إصابته بداء نادر كان وراء تشوه وجهه وتعفنه بشكل مفزع، فكلما تعرض لأشعة الشمس ازدادت حالته تدهورا وهو الآن حبيس المنزل في النهار، وبالرغم من بلوغه السابعة من عمره، إلا أنه لن يكون ضمن قائمة المتمدرسين هذا العام ولا الذي يليه؟. * ليعلم ذوي الإحساس الرهيف أنه لا يمكنهم إطلاقا النظر إلى وجه زياني ضياء الدين لأنه ملتهب وشبه متفحم وتراكمت فيه الجراح فوق بعضها بطريقة لا يقوى أحد على تدقيق النظر فيها، وفي الجهة اليمنى من وجه الصبي اشتد الإلتهاب إلى درجة أن العضلات طغت على العين، وحجبت عنها الرؤيا والطفل الآن لا يرى إلا بعين واحدة وجلده يتساقط في شكل قطع جافة، إحمرت من شدة التصلب، وبالتالي أقل ما يقال عن حياة الطفل الصبور ضياء أنها مأساة حقيقية أرهقت كاهل والده، وأتعبت كل أفراد العائلة الذين استنفذوا كل الوسائل لإعادة الإشراقة لوجه ضياء. هذا الطفل ولد ببلدية بئر حدادة جنوب ولاية سطيف بتاريخ 7 سبتمبر 2002 أي أن عيد ميلاده مر منذ أيام فقط، لكن العائلة لم تحتفل بهذا الموعد لأنه بلا ذوق، وهو عيد كلما عاد وجد حالة ضياء قد ازدادت سوء.. فهو الإبن ما قبل الأخير بالنسبة لأم أنجبت 5 أطفال كلهم يتمتعون بصحة جيدة ويحيون حياة طبيعية إلا "ضياء الدين" الذي كان بالأمس يلهو ويلعب مع إخوته ويملأ الدنيا بوجهه الضاحك القسمات، لكن المأساة لازمته لما بلغ الثالثة من عمره، فبعدما كان وجهه منيرا ينافس إخوته بهاء وجمالا بدأت تظهر عليه بعض البقع الحمراء التي لم تكن في البداية مقلقة، لكن مع تطورها تم عرضه على طبيب مختص فإذا به يؤكد للعائلة أن الأمر يتعلق بمرض يسمى Xeroderma Pigmentosum ويطلق عليه بالعربية إسم الجفاف الجلدي المصطبغ، وهو مرض جلدي نادر جداً يصيب شخصا واحدا من أصل 100 ألف حالة، ويصاب صاحبه بحساسية شديدة ضد ضوء الشمس وجلده يصاب بشيخوخة مبكرة. وهذا يحدث نتيجة إفراط حساسية الخلايا للأشعة فوق البنفسجية إثر خلل في الجهاز الترميمي الجيني. وبالنسبة لضياء الدين فإن المرض عرف تطورا رهيبا، وهو في تدهور مستمر وهو بمثابة طفل الليل فكلما عرّض جسمه لأشعة الشمس زادت حالته سوءا، ولذلك لا يكاد يخرج من المنزل إلا ليلا "العمري".. هل سيقضي العمر كلّه في رعي الغنم؟ * * والده حرمه من الدراسة وقال"عندما يكبر فليذهب لمدارس محو الأمية" * زار مكتب "الشروق" بقسنطينة فاعل خير من دشرة تابعة لمنطقة تسالة بجبال ولاية ميلة قارعا جرس مأساة عائلة كارثتها هو جهل الأب الذي قرر أن لا يدخل أبناءه الستة المدرسة، حتى يبقوا إلى جانبه يمتهنون "الرعي" فقط .. ومع أن هذا الأب يسافر باستمرار إلى ميلة وقسنطينة وسطيف إلا أنه يأبى مناقشة دخول أبنائه المدرسة، خاصة أن موعد دخول ابنه "العمري" قد حان فهو في السادسة من العمر .. ويتحدث الأب بقناعة "هؤلاء أبنائي وأنا من يحدد مستقبلهم".. وإذا كان مصير ثلاثة من أبنائه الكبار قد ضاع بسبب تعنته وفرض "الجهل" عليهم بالقوة، فإن البقية قد تلحق، ومنهم العمري الذي لن يكون ضمن الوافدين الجدد غدا على المدارس.. جهل الوالد جعله يحفظ جملا يرددها باستمرار "عندما يكبرون يتعلمون كيفما شاءوا".