يوجد في جنوبنا الأصيل خير جليل، ولو أننا وقفنا إلى جانب أولئك الخيرة وساندناهم ماديا ومعنويا لاستفاد وطننا فوائد جمة. * * ومن الأمثلة الحية على ما في جنوبنا من خير، أن جمعية دينية لا تملك من المال شيئا استطاعت أن تواصل عقد ملتقى سنوي طيلة عشرين سنة، وكل ملتقى يتناول موضوعا هاما، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى العالمي، كالأسرة، والاقتصادة، والتربية، والعولمة، وغيرها من الموضوعات الجادة، في حين أن ولاية في الشمال تملك إمكانات كبيرة، وأموالا كثيرة أقامت منذ فترة قصيرة "مهرجانا دوليا للرقص" بذّرت فيه ملايير، وضُيّعت أوقات، وانتُهكت حرمات.. كل ذلك على مرأى ومسمع "سامي المسئولين، الذين يرون هذا النوع من المهرجانات من مفاخرهم.. وصدق المثل العربي القائل: "إن الطيور على أشكالها تقع". * إن الجمعية الجنوبية التي أعنيها هي "الجمعية الدينية لزاوية سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد"، التي يوجد مقرها في بلدية " فڤّارة الزّوَى" القريبة من مدينة عين صالح، بولاية تمنراست. * إن الرجل الذي سنّ سنة هذه الملتقيات في هذه البلدة الطيبة، الصغيرة هو العبد الصالح، فضيلة الشيخ محمد الزاوي، الذي انتقل إلى رحمة الله -عز وجل- في الخامس من شهر جويلية من السنة الماضية، بعدما وصّى بهذا الملتقى السنوي بنيه وعشيرته الأقربين، وأصدقاءه في شتى أنحاء الجزائر. * إن صدق ذلك العبد الصالح وإخلاصه -وما شهدنا إلا بما علمنا- هو الذي جعل هذا الملتقى يستمر عشرين عاما دون انقطاع، لأن هذه الملتقيات لا يقصد من ورائها القائمون عليها نيل شهرة زائفة، ولا تحقيق مصلحة مادية، وأجزم -بعد مشاركتي في هذا الملتقى عدة مرات- أن دوراته العشرين لم تُكلف عُشر ما يكلفه ملتقى واحدا من الملتقيات التي نعرفها ونعرف القائمين عليها، حيث تُزهق الأخلاق، وتُنتهك الأعراض، ويُضحك فيها على غباء بعض قومنا. * يدوم الملتقى الذي يؤطره أساتذة وعلماء يومين، تلقى فيهما محاضرات، وندوة عامة، وتلقى فيه أسئلة من الطلبة والحاضرين عموما، وفي نهاية اليوم الأول تبدأ تلاوة القرآن الكريم بمسجد البلدة، وتستمر طيلة الليل، ويختم القرآن الكريم بعد صلاة الفجر من اليوم الثاني للملتقى. * وفي مساء اليوم الثاني يتجمع عدد كبير من الناس في بطحاء فيصلّون المغرب، ثم تلقى كلمة يُوعظ فيها الناس ويُذَكّرون بما عليهم من واجبات نحو خالقهم، ونحو وطنهم، وإخوانهم المسلمين، ثم يتفرقون بعدما يتبادلون التهاني، ويتسامحون، ويتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، ويترحمون على موتى المسلمين. * لقد كان موضوع الملتقى في هذا العام هو: "الإعلام الديني وأثره في مناهضة الظواهر السلبية في المجتمع"، وقد بُرمجت فيه اثنتا عشرة محاضرة وندوتان، غطت جميعها -بقدر ما يسمح به الوقت- كل ما له صلة بالإعلام من صدر الإسلام إلى هذه الأيام. * لقد عَهِدَ إليّ القائمون على هذا الملتقى أن أتحدث في موضوع "الإعلام الديني والتحديات المعاصرة". * إن التحديات التي يواجهها الإعلام الديني هي نفسها التي يواجهها المسلمون، وقد لخصها بعض العاملين في هذا الميدان في التحديات المهنية، والفنية، والتحديات الإقليمية والدولية، والتحديات الرقابية، والتحديات الثقافية والتنموية، والتحديات الاجتماعية، والتحديات المعرفية(1). * لم يكن الوقت كافيا لتفصيل القول في هذه التحديات وتحليلها، ولكنني أرجعت هذه التحديات كلها إلى تحديين كبيرين سميتهما: "التحدي الداخلي، والتحدي الخارجي"، ملاحظا التداخل الموجود بينهما. * لقد عنيت بالتحدي الداخلي العمل على إبقاء المسلم على دينه، وتثبيته عليه، لأن هذا المسلم في أي مكان وُجد مُستهدفٌ، لإخراجه من دينه، وإلى هذه القضية أشارت بعض آي الذكر الحكيم، ونبّهت إلى ما يبذل في سبيلها من مال، وما يجند من رجال، وما يُكاد من مكايد، خاصة في هذا الوقت الذي يتخبط فيه المسلمون في فتن كبيرة وكثيرة، وظروف عسيرة توفر أحسن مناخ لرد المسلمين عن دينهم، فهم يعيشون فقرا مدقعا، ويعانون جهلا فظيعا، وهذان الأمران -الفقر والجهل- هما البيئة المفضلة للمنصرين لفتنة الناس، وإلباس الحق بالباطل، والتلاعب بالعقول، وقد اعتبر بعض المنصرين هذه الظروف الصعبة التي يعانيها المسلمون "فرصة عظمى(2)"، يجب افتراصُها لتحقيق أملهم في تنصير المسلمين خاصة والعالم عامة(3) * وأما التحدي الخارجي فعنيت به تبيلغ دين الله الحق، وهو الإسلام، تطبيقا لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بلّغوا عني..." وهو الأمر نفسه الذي أمره به الله -عز وجل-: "يا أيها الرسوع بلّغ ما أنزل إليك من ربك...". * إنه لا يمكن للمسلمين أن يكونوا "شهداء على الناس"، إن لم يبلّغوهم رسالة الله -عز وجل-. * ولا شك في أن هذين التحديين الكبيرين ينطوى تحتهما كثير من التحديات الفرعية.. ويتطلبان كدحا كبيرا، وعملا كثيرا، وعلما غزيرا، ومالا وفيرا.. وقبل هذا وبعده إخلاصا صادقا، وعزما شديدا. * ويساعد الإعلامي المسلم على نجاح مهمته أمران هامان: * ❊) صحة الإسلام، وسلامته، ومنطقيته، فهو كما شهد أعداؤه: "دين اليقين والتّوازن". (انظر مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام. ص73). * ❊❊) لا منطقية غيره من الأديان، وتحريفها، لأنها مما كتبته أيدي البشر.. وقد رأى الناس في جميع أنحاد العالم كيف عَلَتْ كلمة الإسلام، وسفلت كلمة غيره في مناظرات الشيخ أحمد ديدات، ومن قبله الشيخ رحمة الله الكيرانوي الهندي -رحمهما الله-. * إنني أغتنم هذه الفرصة لشكر الإخوة "في الجمعية الدينية لزاوية سيدي الشيخ عبد القادر بن محمد" في فقارة الزّوى على مجهدواتهم الطيبة، وأترحم -مرة أخرى- على روح مؤسس هذا الملتقى السنوي، وهو الشيخ محمد الزاوي، وأدعو لأبناء صلبه وأبناء فكره بالتوفيق في مواصلة أداء الأمانة التي تركها الشيخ في أعناقهم.. * 1) انظر كتاب "أثر الإعلام المعاصر..." للأستاذ محي الدين العوير. * 2) "الفرصة العظمى" عنوان كتيّب أصدرته جمعية تنصيرية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. * 3) انظر رسالة "تنصير العالم" للدكتورة زينب عبد العزيز.