تحولت منطقة تيزي وزو منذ فترة إلى بؤرة تتكرر فيها "عمليات استعراضية للجماعات المسلحة" دون غيرها من المناطق حتى أصبح الناس يتساءلون لماذا تبقى هذه المنطقة مستعصية عن الحل ومستعصية عن الأمن والاستقرار والاستتباب الذي عم مختلف ربوع الوطن منذ سنوات... يشعر الجزائريون في السنوات الأخيرة أن زمن الاغتيالات والقتل قد ولى، وأن مرحلة جديدة من الأمن والسكينة أرخت سدولها.. فقد عادت الحياة إلى مجاريها رويدا رويدا وتجلى ذلك في توسع رقعة الإطمئنان والسلم فعاد الكثير من السكان إلى أراضيهم وسكناتهم التي هجروها جراء شبح القتل الغادر والتهديد والوعيد، واستعادوا نشاطاتهم واستأنفوا أعمالهم وبناءهم.. إلا أن تيزي وزو تذكرنا كلما نسينا أنها لا تزال تشكل الاستثناء، مما طرح الكثير من التساؤلات؟.. ليس ثمة من العوامل الاستثنائية ما يجعل المنطقة تختلف عن نظيراتها في مختلف ربوع الوطن ولو في قسمه الشمالي على الأقل، مما يفسر بقاءها مرتعا للجماعات المسلحة أو بقاياها سواء تعلق الأمر بطبيعة المنطقة الجغرافية وتضاريسها، أو الديمغرافية وتركيبتها البشرية، أو الإيديولوجية ومكوناتها السياسية... وهذا ما يعمق التساؤل حول ماهية العمليات الإجرامية وأهدافها وطبيعتها... ويدفع إلى الاستنتاج بأن المسألة تتميز بميزات خاصة، وتعمل من أجل أهداف غير تقليدية... بعض التقارير الإعلامية تنساق وراء تحليلات مبسطة تصنف هذه "العمليات في إطار نشاط بقايا الجماعات الإرهابية في غابات تيزي وزو، وأنها مجرد فلول تقترف جرائمها كلما سنحت لها الفرصة.."، وبعضها الآخر يذهب إلى تفسير الظاهرة بتراخي قوات الأمن واطمئنانها للوضع، والبعض الثالث يبرر ذلك بعجز الدولة عن استكمال عملية اجتثاث الجماعات المسلحة... قد تكون كل هذه التحليلات صحيحة لكن لا تبرر اقتصار الظاهرة على منطقة تيزي وزو، ولا تؤكد أنها استمرار للأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد في عشرية الدم والدموع والدمار... بالنظر إلى التوقيت والتزامن الذي عادة ما يرتبط باستحقاقات أو مناسبات، وفداحة الخسائر في الأرواح، قد يذهب الملاحظ إلى الاعتقاد بأن الظاهرة قد تكون "إرهابا خاصا"، يريد أن يوجه رسالة أخرى، الهدف منها الابتزاز والتخويف للحفاظ على الوضع الراهن.. فثمة الكثير من الجهات أو الأطراف التي استفادت من الأزمة ونجحت في ظلها، وتحرص أن تبقى ظروف نجاحها قائمة، كما ثمة أطراف وقد تكون هي نفسها تريد أن تشكك في خروج الجزائر من أتون الفتنة، وتؤكد فشل عملية تضميد الجراح، وتعمل على إفساد مساعي طي صفحة الأزمة نهائيا.. وعليه فإن اختيار تيزي وزو مسرحا لهذه العمليات الاستعراضية لإعطاء هذه العمليات صدى إعلاميا أكبر خاصة على الصعيد الدولي لما ارتبطت به المنطقة في الإعلام المحلي والدولي من خصوصية كمنطقة للرفض الشعبي للسلطة وتقديمها كثغرة في جدار البناء الوطني وتلك عوامل تضفي على هذه العمليات طابع ما يسمى ب "الإرهاب" المتعارف عليه دوليا مما يعطي الانطباع بأن الجزائر لا تزال غارقة في الأزمة الأمنية تتهددها الجماعات المسلحة !